للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما لا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ

وَرَوَى جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ

فَذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَأْثَمَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْكَفَّارَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي النَّصِّ إلَّا بِمِثْلِهِ وَالثَّانِي أَنَّهَا لو كانت واجبة لذكرها في اليمين المعقودة في

قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هو خيرا مِنْهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ

وَغَيْرُهُمَا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمَاضِي قَوْله تَعَالَى فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ وَحِفْظُهَا مُرَاعَاتُهَا لِأَدَاءِ كَفَّارَتِهَا عِنْدَ الْحِنْثِ فِيهَا وَمَعْلُومٌ امْتِنَاعُ حِفْظِ الْيَمِينِ عَلَى الْمَاضِي لِوُقُوعِهَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ لَا يَصِحُّ فِيهَا الْمُرَاعَاةُ وَالْحِفْظُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَوْله تَعَالَى ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ يَقْتَضِي عُمُومُهُ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ فِي سَائِرِ الْأَيْمَانِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ قِيلَ لَهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّهُ قَدْ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ الْمَعْقُودَةَ عَلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَلَا مَحَالَةَ أَنَّ فيه ضمير يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ وَهُوَ الْحِنْثُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْآيَةِ ضَمِيرًا سَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِظَاهِرِهَا لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْيَمِينَ الْمَعْقُودَةَ لَا تَجِبُ بِهَا كَفَّارَةٌ قَبْلَ الْحِنْثِ فَثَبَتَ أَنَّ فِي الْآيَةِ ضَمِيرًا فَلَمْ يَجُزْ اعْتِبَارُ عُمُومِهَا إذْ كَانَ حُكْمُهَا مُتَعَلِّقًا بِضَمِيرٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ فِيهَا وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ مِنْ الْأَيْمَانِ هِيَ الَّتِي أَلْزَمَنَا حِفْظَهَا وَذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ الَّتِي تُمْكِنُ مُرَاعَاتُهَا وَحِفْظُهَا لِأَدَاءِ كَفَّارَتِهَا وَالْيَمِينُ عَلَى الْمَاضِي لَا يَقَعُ فِيهَا حِنْثٌ فَيَنْتَظِمُهَا اللَّفْظُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ دُخُولُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَيْهَا فَتَقُولَ كَانَ أَمْسِ الْجُمُعَةَ إنْ شَاءَ الله والله لقد كان أمس الجمعة إذ كَانَ الْحِنْثُ وُجُودَ مَعْنَى بَعْدَ الْيَمِينِ بِخِلَافِ مَا عَقَدَ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ كَانَ ذَلِكَ قَسَمًا وَلَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ بِوُجُودِ هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حِنْثٌ وَقَدْ قُرِئَ قَوْله تعالى بِما عَقَّدْتُمُ على ثلاثة أوجه عقدتم بالتشديد قد قرأه جماعة وعقدتم خفيفة وعاقدتم فقوله تعالى عَقَّدْتُمُ بِالتَّشْدِيدِ كَانَ أَبُو الْحَسَنِ يَقُولُ لَا يَحْتَمِلُ إلا عقد قول وعقدتم بِالتَّخْفِيفِ يَحْتَمِلُ عَقْدَ الْقَلْبِ وَهُوَ الْعَزِيمَةُ وَالْقَصْدُ إلَى الْقَوْلِ وَيَحْتَمِلُ عَقْدَ الْيَمِينِ قَوْلًا وَمَتَى احْتَمَلَ إحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ الْقَوْلَ وَاعْتِقَادَ الْقَلْبِ وَلَمْ يَحْتَمِلْ الْأُخْرَى إلَّا عَقْدَ الْيَمِينِ قَوْلًا وَجَبَ حَمْلُ مَا يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ عَلَى مَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا وَجْهًا وَاحِدًا فَيَحْصُلُ الْمَعْنَى مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>