للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ تَوْقِيتٌ فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَقَدْ تَنَاوَلَهُ الظَّاهِرُ فَيُقَالُ لَهُمْ إنَّمَا يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ ذَلِكَ حَيْضًا حَتَّى يَعْتَزِلَهَا فِيهِ إذْ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ دَلَالَةٌ عَلَى كَيْفِيَّةِ الْحَيْضِ وَلَا عَلَى مَعْنَاهُ وَصِفَتِهِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ حَيْضٌ حِينَئِذٍ أُجْرِيَ فِيهِ حُكْمُ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ وَمَتَى اخْتَلَفُوا فِيهِ لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى مَعْنَاهُ وَدَعْوَى الْخَصْمِ تَكُونُ دَلِيلًا فِي الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ بَيَّنَ الشَّارِعُ عَلَامَةَ دَمِ الْحَيْضِ وَصِفَتَهُ بِمَا يُغْنِي عَنْ اعْتِبَارِ الْمِقْدَارِ مَعَهُ بِقَوْلِهِ دَمُ الْحَيْضِ هُوَ الْأَسْوَدُ الْمُحْتَدِمُ فَمَتَى وُجِدَ الدَّمُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَانَ حَيْضًا قِيلَ لَهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الدَّمَ الَّذِي لَيْسَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ قَدْ يَكُونُ حَيْضًا إذَا رَأَتْهُ فِي أَيَّامِهَا أَوْ رَأَتْهُ وَهِيَ مُبْتَدَأَةٌ وَقَدْ يُوجَدُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ بَعْدَ أَيَّامِهَا أَوْ فِي أَيَّامِهَا فَيَكُونُ مَا فِي أَيَّامِهَا مِنْهُ حَيْضًا وَمَا بَعْدَ أَيَّامِهَا اسْتِحَاضَةً فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ وُجُودَ هَذِهِ الصِّفَةِ عَلَمًا لِلْحَيْضِ وَدَلِيلًا عَلَيْهِ وَهِيَ تُوجَدُ مَعَ عَدَمِهِ وَتُعْدَمُ مَعَ وُجُودِهِ وَإِنَّمَا وَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ حَالِ امْرَأَةٍ بِعَيْنِهَا وَأَنَّ حَيْضَهَا أَبَدًا يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَأَخْبَرَ عَنْ حُكْمِهَا خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهَا فَلَمْ يَجُزْ اعْتِبَارُهُ فِي غَيْرِهَا وَقَدْ احْتَجَّ الْفَرِيقَانِ أَيْضًا مِنْ مُثْبِتِي مِقْدَارِ أَقَلِّ الْحَيْضِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَمِنْ نَافِي تَقْدِيرِهِ بِقَوْلِهِ تعالى وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَزَعَمَ مَنْ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ الْمِقْدَارِ أَنَّهُ لَمَّا وَصَفَ الْحَيْضَ بِكَوْنِهِ أَذًى فَحَيْثُمَا وُجِدَ الْأَذَى فَهُوَ حَيْضٌ بِغَيْرِ اعْتِبَارِ التَّوْقِيفِ إذْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ الْمِقْدَارِ وَمَنْ قَالَ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ يَقُولُ إنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي وُجُودَ الْأَذَى فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ حَيْضًا وَفِيمَا دُونَهُ وَخَصَّصْنَا مَا دُونَهُ بِدَلَالَةٍ فَبَقِيَ حُكْمُ اللَّفْظِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَيُقَالُ لَهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الحيض أو لا حَتَّى تَثْبُتَ هَذِهِ الصِّفَةُ وَهِيَ كَوْنُهُ أَذًى لِأَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا جَعَلَ الْحَيْضَ أَذًى وَلَمْ يَجْعَلْ الْأَذَى حَيْضًا وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ كل أذى حيضا وأن كُلُّ حَيْضٍ أَذًى كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ نَجَاسَةٍ حَيْضًا وَإِنْ كَانَ كُلُّ حَيْضٍ نَجَاسَةً فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ الْحَيْضُ حَتَّى يَكُونَ أَذًى وَأَيْضًا مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَادُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْأَذَى اسْمَ الْمَحِيضِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّ كُلَّ أَذًى حَيْضٌ لِأَنَّ سَائِرَ ضُرُوبِ الْأَذَى لَيْسَتْ بِحَيْضٍ فَيَحْصُلُ حِينَئِذٍ الْمُرَادُ أَذًى مُنْكَرًا إذْ يُحْتَاجُ فِي مَعْرِفَتِهِ إلَى دَلَالَةٍ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى إذَا حَصَلَتْ لَنَا مَعْرِفَتُهُ حَكَمْنَا فِيهِ بِحُكْمِ الْحَيْضِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَذَى اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يَقَعُ عَلَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةِ الْمَعَانِي وَمَا كَانَ هَذَا وَصْفُهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ فَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمُومًا وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ جَعَلَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ما رأيت ناقصات

<<  <  ج: ص:  >  >>