يُنْقَضُ هَذَا الْحُكْمُ إلَّا بِدَلَالَةٍ تُوجِبُ نَقْضَهُ وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً قِيلَ لَهُ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا تَتْرُكُ الصَّلَاةَ إذَا رَأَتْهُ وَقْتَ صَلَاةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ مُدَّةَ الْحَيْضِ وَقْتُ صَلَاةٍ فَلَمَّا لَمْ يَدُلَّ أَمَرْنَا إيَّاهَا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إذَا رَأَتْ الدَّمَ وَقْتَ صَلَاةٍ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَقْتُ صَلَاةٍ بَلْ كَانَ حُكْمُ ذَلِكَ الدَّمِ مُرَاعًى مُنْتَظَرًا بِهِ اسْتِكْمَالَ مُدَّةِ الْحَيْضِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهَا كَذَلِكَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ فَقَدْ أَوْجَبَ عَلَيْنَا الرُّجُوعَ إلَى قَوْلِهَا حِينَ وَعَظَهَا بِتَرْكِ الْكِتْمَانِ قِيلَ لَهُ لَيْسَ هَذَا مِنْ مَسْأَلَتِنَا فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ فِي قَبُولِ خَبَرِهَا إذَا أَخْبَرَتْ عَمَّا خَلَقَ اللَّهُ فِي رَحِمِهَا وَنَحْنُ نَجْعَلُ الْقَوْلَ قَوْلَهَا في ذلك وأما الحكم بأن ذلك الدم حَيْضٍ أَوْ لَيْسَ بِحَيْضٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ إلَيْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ وَلَيْسَ الْحُكْمُ مَخْلُوقًا فِي رَحِمِهَا فَنَرْجِعُ إلَى قَوْلِهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَجَمِيعُ مَا قَدَّمْنَا مِنْ ذَلِكَ مُنْتَظِمٌ دَلَالَةً عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ حَدَّ مِقْدَارَ أَقَلِّ الْحَيْضِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَعَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ لَمْ يَجْعَلْ لِقَلِيلِ الْحَيْضِ وَلَا لِكَثِيرِهِ مِقْدَارًا مَعْلُومًا وَعَلَى فَسَادِ قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ عَادَةَ نِسَائِهَا وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ الْمِقْدَارِ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْحَيْضُ هُوَ الدَّمَ الْمَوْجُودَ مِنْهَا فَيَجِبُ عَلَى هَذِهِ الْقَضِيَّةِ أَنْ لَا تَكُونَ فِي الدُّنْيَا مُسْتَحَاضَةً لِوُجُودِ الدَّمِ وَكَوْنِ جَمِيعِهِ حَيْضًا وَقَدْ عَلِمْنَا بُطْلَانَ ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ فَإِنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أبى حُبَيْشٍ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ فَأَخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ لِي فِي الْإِسْلَامِ حَظٌّ وَاسْتُحِيضَتْ حَمْنَةُ سَبْعَ سِنِينَ فَلَمْ يَقُلْ الشَّارِعُ لَهُمَا إنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ حَيْضٌ بَلْ أَخْبَرَهُمَا أَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ حَيْضٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ اسْتِحَاضَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِمَا كَانَ مِنْهُ حَيْضًا مِقْدَارٌ مُوَقَّتٌ وَهُوَ مَا أَخْبَرَ عَنْ مِقْدَارِهِ بِذِكْرِ الْأَيَّامِ وَيَلْزَمُ أَيْضًا مَنْ لَا يَجْعَلُ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ وَلَا لِأَكْثَرِهِ مِقْدَارًا مَعْلُومًا أَنْ يَجْعَلَ دَمَ الْمُبْتَدَأَةِ إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا كُلَّهُ حَيْضًا وَإِنْ رَأَتْهُ سَنَةً لِفَقْدِ عَادَةِ الْحَيْضِ مِنْهَا وَوُجُودِ الدَّمِ فِي رَحِمِهَا وَهَذَا خُلْفٌ مِنْ الْقَوْلِ مُتَّفَقٌ عَلَى بُطْلَانِهِ فَإِنْ قِيلَ لَمَّا كَانَ النِّفَاسُ مِثْلَ الْحَيْضِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْحُكْمِ وَلَمْ يَكُنْ لِأَقَلِّهِ حَدٌّ مَعْلُومٌ فَكَذَلِكَ الْحَيْضُ قِيلَ لَهُ إنَّمَا أَثْبَتْنَا ذَلِكَ نِفَاسًا بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ نَقِسْ عَلَيْهِ الْحَيْضَ إذْ لَيْسَ طَرِيقُ إثْبَاتِهِ الْمَقَايِيسَ وَقَدْ احْتَجَّ الْفَرِيقَانِ مِنْ مُثْبِتِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الدَّمِ حَيْضًا وَمِمَّنْ قَدَّرَهُ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بقوله تعالى فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ
وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ)
إذْ كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute