وَقَالَ عَطَاءٌ هُوَ أَنْ يَقُولَ إنَّك لَجَمِيلَةٌ وَإِنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنْ قَضَى اللَّهُ شَيْئًا كَانَ فَكَانَ التَّعْرِيضُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يَدُلُّ فَحَوَاهُ عَلَى رَغْبَتِهِ فِيهَا وَلَا يُخْطِبُهَا بِصَرِيحِ القول قال سعيد ابن جُبَيْرٍ فِي قَوْله تَعَالَى إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً أَنْ يَقُولَ إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنِّي لَأَرْجُوَ أَنْ نَجْتَمِعَ وقَوْله تَعَالَى أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَعْنِي أَضْمَرْتُمُوهُ مِنْ التَّزْوِيجِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَأَبَاحَ التَّعْرِيضَ بِالْخِطْبَةِ وَإِضْمَارَ نِكَاحِهَا مِنْ غَيْرِ إفصاح به وذكر إسماعيل ابن إِسْحَاقَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ احْتَجَّ فِي نَفْيِ الْحَدِّ فِي التَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَجْعَلْ التَّعْرِيضَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ كَذَلِكَ لَا يُجْعَلُ التَّعْرِيضُ بِالْقَذْفِ كَالتَّصْرِيحِ قَالَ إسْمَاعِيلُ فَاحْتَجَّ بِمَا هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ إذْ التَّعْرِيضُ بِالنِّكَاحِ قَدْ فُهِمَ بِهِ مُرَادُ الْقَائِلِ فَإِذَا فُهِمَ بِهِ مُرَادُهُ وَهُوَ الْقَذْفُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْقَاذِفِ قَالَ وَإِنَّمَا يُزِيلُ الْحَدَّ عَنْ الْمُعَرِّضِ بِالْقَذْفِ مَنْ يُزِيلُهُ لأنه لم يعلم بتعريضه أنه أراد القذف إذْ كَانَ مُحْتَمِلًا لِغَيْرِهِ قَالَ وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِهِ هَذَا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ جَائِزٌ مُبَاحٌ كَمَا أُبِيحَ التَّعْرِيضُ بِالْخِطْبَةِ بِالنِّكَاحِ قَالَ وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ التَّعْرِيضُ بِالنِّكَاحِ دُونَ التَّصْرِيحِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْهُمَا وَيَقْتَضِي خِطْبَتُهُ جَوَابًا مِنْهَا وَلَا يَقْتَضِي التَّعْرِيضُ جَوَابًا فِي الْأَغْلَبِ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْكَلَامُ الْأَوَّلُ الَّذِي حَكَاهُ عَنْ خَصْمِهِ فِي الدلالة به عَلَى نَفْيِ الْحَدِّ بِالتَّعْرِيضِ صَحِيحٌ وَنَقْضُهُ ظَاهِرُ الِاخْتِلَالِ وَاضِحُ الْفَسَادِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى نَفْيِ الْحَدِّ بِالتَّعْرِيضِ أَنَّهُ لَمَّا حَظَرَ عَلَيْهِ الْمُخَاطَبَةَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ صَرِيحًا وَأُبِيحَ لَهُ التَّعْرِيضُ بِهِ اخْتَلَفَ حُكْمُ التَّعْرِيضِ وَالتَّصْرِيحِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ التَّصْرِيحِ وَغَيْرُ جَائِزٍ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا كَمَا خَالَفَ اللَّهُ بَيْنَ حُكْمِهِمَا فِي خِطْبَةِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْحُدُودَ مِمَّا يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ فَهِيَ فِي حُكْمِ السُّقُوطِ وَالنَّفْيُ آكَدُّ مِنْ النِّكَاحِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ التَّعْرِيضُ فِي النِّكَاحِ كَالتَّصْرِيحِ وَهُوَ آكَدُّ فِي بَابِ الثُّبُوتِ مِنْ الْحَدِّ كَانَ الْحَدُّ أَوْلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ بِالتَّعْرِيضِ مِنْ حَيْثُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ خَطَبَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالتَّعْرِيضِ لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا عَقْدُ النِّكَاحِ فَكَانَ تَعْرِيضُهُ بِالْعَقْدِ مُخَالِفًا لِلتَّصْرِيحِ فَالْحَدُّ أَوْلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ بِالتَّعْرِيضِ وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْإِقْرَارَ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا لَا يَثْبُتُ بِالتَّعْرِيضِ وَيَثْبُتُ بِالتَّصْرِيحِ لِأَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ فَكَانَ الْحَدُّ أَوْلَى أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ وَهَذِهِ الدَّلَالَةُ وَاضِحَةٌ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي سَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ حكمه بالقول وهي كافية مغنية في جِهَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَإِنْ أَرَدْنَا رده إليه من جهة القياس «٩- أحكام في»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute