لِعِلَّةٍ تَجْمَعُهُمَا كَانَ سَائِغًا وَذَلِكَ أَنَّ النِّكَاحَ حُكْمُهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَوْلِ كَالْقَذْفِ فَلَمَّا اخْتَلَفَ حُكْمُ التَّصْرِيحِ وَالتَّعْرِيضِ بِالْخِطْبَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى ثَبَتَ حُكْمُهُ بِالتَّعْرِيضِ وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ ثَابِتًا بِالْإِفْصَاحِ وَالتَّصْرِيحِ كَمَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ فِي النِّكَاحِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ التَّصْرِيحِ لِأَنَّهُ قَدْ عُرِفَ مُرَادُهُ كَمَا عُرِفَ بِالتَّصْرِيحِ فَإِنِّي أَظُنُّهُ نَسِيَ عِنْدَ هَذَا الْقَوْلِ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْفَصْلِ بَيْنَ التَّعْرِيضِ وَالتَّصْرِيحِ بِالْخِطْبَةِ إذْ كَانَ الْمُرَادُ مَفْهُومًا مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْحُكْمُ متعلقا بمفهوم المراد فلذلك بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْخِطْبَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُهُمَا فِيهَا فَإِذَا كَانَ نَصُّ التَّنْزِيلِ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ اُنْتُقِضَ هَذَا الْإِلْزَامُ وَصَحَّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ مَنْ أَزَالَ الْحَدَّ عَنْ الْمُعَرِّضِ بِالْقَذْفِ فَإِنَّمَا أَزَالَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِتَعْرِيضِهِ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَذْفَ لِاحْتِمَالِ كَلَامِهِ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهَا وَكَالَةٌ لَمْ تَثْبُتْ عَنْ الْخَصْمِ وَقَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَقُولُ بِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ مُتَعَلِّقٌ بِإِرَادَتِهِ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ عِنْدَ خُصُومِهِ بِالْإِفْصَاحِ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَاَلَّذِي يُحِيلُ بِهِ خَصْمُهُ مِنْ أَنَّهُ أَزَالَ الْحَدَّ لأنه لم يعلم مراده لا يَقْبَلُونَهُ وَلَا يَعْتَمِدُونَهُ وَأَمَّا إلْزَامُهُ خَصْمَهُ أَنْ يُبِيحَ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ كَمَا يُبِيحُ التَّعْرِيضَ بِالنِّكَاحِ فإنه كلام رجل غير مثبت فِيمَا يَقُولُهُ وَلَا نَاظِرٍ فِي عَاقِبَةِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ حُكْمُ إلْزَامِهِ لَهُ فَنَقُولُ إنَّ خَصْمَهُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ لَمْ يَجْعَلْ مَا ذَكَرَهُ عِلَّةً لِلْإِبَاحَةِ حَتَّى يَلْزَمَ عَلَيْهِ إبَاحَةُ التَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ عَلَى إيجَابِ الفرق بين التعريض والتصريح فأما الحظر موقوفان عَلَى دَلَالَتِهِمَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَأَمَّا قوله إنما حيز التَّعْرِيضُ بِالنِّكَاحِ دُونَ التَّصْرِيحِ
لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْهُمَا وَيَقْتَضِي خِطْبَتُهُ جَوَابًا مِنْهَا وَلَا يَقْتَضِي التَّعْرِيضُ جَوَابًا فِي الْأَغْلَبِ فَإِنَّهُ كَلَامٌ فَارِغٌ لَا مَعْنَى تَحْتَهُ وَهُوَ مَعَ ذلك منتقض وذلك التَّعْرِيضَ بِالنِّكَاحِ وَالتَّصْرِيحَ بِهِ لَا يَقْتَضِي وَاحِدٌ مِنْهُمَا جَوَابًا لِأَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا انْصَرَفَ إلَى خِطْبَتِهَا لَوَقْتٍ مُسْتَقْبَلٍ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْجَوَابَ كَمَا لَا يَقْتَضِي التعريض ولم يجز الخطاب عن النَّهْيِ عَنْ الْعَقْدِ الْمُقْتَضِي لِلْجَوَابِ حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِمَا ذُكِرَ فَقَدْ بَانَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْرِيضِ وَالتَّصْرِيحِ فِي نَفْيِ اقْتِضَاءِ الْجَوَابِ وَهَذَا الْمَوْضِعُ هُوَ الَّذِي فَرَّقَتْ الْآيَةُ فِيهِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَأَمَّا الْعَقْدُ الْمُقْتَضِي لِلْجَوَابِ فَإِنَّمَا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَإِنْ كَانَ نَهْيُهُ عَنْ الْعَقْدِ نَفْسِهِ فَقَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute