وَكَذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ قَبُولُ هَدِيَّةِ جَارِيَةٍ بِقَوْلِ الرسول ويجوز له الإقدام على وطئها ولو أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ عَنْ زَيْدٍ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ قَذْفٍ لَمَا جَازَ لَهُ إقَامَةُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُخْبَرِ عَنْهُ لِأَنَّ سَبِيلَ الشَّهَادَةِ الْيَقِينُ وَالْمُشَاهَدَةُ وَسَائِرُ الْأَشْيَاءِ الَّتِي ذُكِرَتْ يَجُوزُ فِيهَا اسْتِعْمَالُ غَالِبِ الظَّنِّ وَقَبُولُ قَوْلِ الْوَاحِدِ فَلَيْسَ ذَلِكَ إذًا أَصْلًا لِلشَّهَادَةِ وَأَمَّا إذَا اُسْتُشْهِدَ وَهُوَ بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ فَإِنَّمَا لَمْ نَقْبَلْهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّا قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ حَالَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ أَضْعَفُ مِنْ حَالِ الْأَدَاءِ وَالدَّلِيلُ عليه أنه غير جَائِزٌ أَنْ يَتَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَهُوَ كَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ ثُمَّ يُؤَدِّيَهَا وَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ بَالِغٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَوْ أَدَّاهَا وَهُوَ صبي أو عبد أو كَافِرٌ لَمْ تَجُزْ فَعَلِمْنَا أَنَّ حَالَ الْأَدَاءِ أَوْلَى بِالتَّأْكِيدِ مِنْ حَالِ التَّحَمُّلِ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ تَحَمُّلُ الْأَعْمَى لِلشَّهَادَةِ وَكَانَ الْعَمَى مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ التَّحَمُّلِ وَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ صِحَّةَ الْأَدَاءِ وَأَيْضًا لَوْ اسْتَشْهَدَهُ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَائِلٌ لَمَا صَحَّتْ شَهَادَتُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ أَدَّاهَا وَبَيْنَهُمَا حَائِلٌ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ وَالْعَمَى حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجُوزَ وَفَرَّقَ أَبُو يُوسُفَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ قَالَ يَصِحُّ أَنْ يَتَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ بِمُعَايَنَتِهِ ثُمَّ يَشْهَدَ عَلَيْهِ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مَيِّتٌ فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ جَوَازَهَا فَكَذَلِكَ عَمَى الشَّاهِدِ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْبَتِهِ فَلَا يَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَتِهِ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ إنما يجب اعتبار الشاهد في نَفْسَهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ قَبِلْنَاهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ لَمْ نَقْبَلْهَا وَالْأَعْمَى قَدْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ بِعَمَاهُ فَلَا اعْتِبَارَ بِغَيْرِهِ وَأَمَّا الْغَائِبُ وَالْمَيِّتُ فَإِنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدِ عَلَيْهِمَا صَحِيحَةٌ إذْ لَمْ يَعْتَرِضْ فِيهِ مَا يُخْرِجُهُ من أن يكون من أهل الشهادة وغيبة الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَمَوْتُهُ لَا تُؤَثِّرُ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ فَلِذَلِكَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَالْوَجْهِ الْآخَرِ أَنَّا لَا نُجِيزُ الشَّهَادَةَ عَلَى الْمَيِّتِ وَالْغَائِبِ إلَّا أَنْ يَحْضُرَ عَنْهُ خَصْمٌ فَتَقَعُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ فَيَقُومُ حُضُورُهُ مَقَامَ حُضُورِ الْغَائِبِ وَالْمَيِّتِ وَالْأَعْمَى فِي مَعْنَى مَنْ يَشْهَدُ عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ فَلَا تَصِحُّ شَهَادَتُهُ فَإِنْ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تعالى إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ- إلَى قَوْله تَعَالَى- وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ وقوله تعالى مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ وَالْأَعْمَى قَدْ يَكُونُ مَرْضِيًّا وَهُوَ مِنْ رِجَالِنَا الْأَحْرَارِ فَظَاهِرُ ذَلِكَ يَقْتَضِي قَبُولَ شَهَادَتِهِ قِيلَ لَهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَى غَيْرُ مَقْبُولِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ قَالَ وَاسْتَشْهِدُوا وَالْأَعْمَى لَا يَصِحُّ اسْتِشْهَادُهُ لِأَنَّ الِاسْتِشْهَادَ هُوَ إحْضَارُ المشهود عليه ومعاينته إياه وَهُوَ غَيْرُ مُعَايِنٍ وَلَا مُشَاهِدٍ لِمَنْ يَحْضُرُهُ لِأَنَّ الْعَمَى حَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ كَحَائِطٍ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَيَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ مُشَاهَدَتِهِ وَلَمَّا كَانَتْ الشَّهَادَةُ إنَّمَا هِيَ مَأْخُوذَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute