مِنْ مُشَاهَدَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَمُعَايَنَتِهِ عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَقْتَضِي الشَّهَادَةُ إثْبَاتَ الْحَقِّ عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِكَ مَعْدُومًا فِي الْأَعْمَى وَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ شَهَادَتُهُ فَهَذِهِ الْآيَةُ لَأَنْ تَكُونَ دَلِيلًا عَلَى بُطْلَانِ شَهَادَتِهِ أَوْلَى مِنْ أَنْ تَدُلَّ عَلَى إجَازَتِهَا وَقَالَ زُفَرُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى إذَا شَهِدَ بِهَا قَبْلَ الْعَمَى أَوْ بَعْدَهُ إلَّا فِي النَّسَبِ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ فُلَانًا ابْنَ فُلَانٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ فِي ذَلِكَ إلَى أَنَّ النَّسَبَ قَدْ تَصِحُّ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِالْخَبَرِ الْمُسْتَفِيضِ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْهُ الشَّاهِدُ فَلِذَلِكَ جَائِزٌ إذَا تَوَاتَرَ عِنْدَ الْأَعْمَى الْخَبَرُ بِأَنَّ فُلَانًا ابْنَ فُلَانٍ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَتَكُونُ شَهَادَتُهُ مَقْبُولَةً وَيُسْتَدَلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرَ سَوَاءٌ فِيمَا ثَبَتَ حُكْمُهُ عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ التَّوَاتُرِ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ الْمُخْبِرِينَ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَايَنَةِ وَإِنَّمَا يَسْمَعُ أَخْبَارَهُمْ فَكَذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ عِلْمُ صِحَّةِ النَّسَبِ مِنْ طَرِيقِ التَّوَاتُرِ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْ الْمُخْبِرِينَ فَتَجُوزُ إقَامَةُ الشَّهَادَةِ بِهِ وَتَكُونُ شَهَادَتُهُ مَقْبُولَةً فِيهِ إذْ لَيْسَ شَرْطُ هَذِهِ الشَّهَادَةِ مُعَايَنَةُ الْمَشْهُودِ بِهِ وَاخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ الْبَدْوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ هِيَ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ عَدْلًا وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدْوِيٍّ عَلَى قَرَوِيٍّ إلَّا فِي الْجِرَاحِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدْوِيٍّ عَلَى قَرَوِيٍّ فِي الْحَضَرِ إلَّا فِي وَصِيَّةِ الْقَرَوِيِّ فِي السَّفَرِ أَوْ فِي بَيْعٍ فَتَجُوزُ إذَا كَانُوا عُدُولًا قَالَ أَبُو بَكْرٍ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلَائِلِ الْآيَةِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ شَهَادَةِ الْقَرَوِيِّ
وَالْبَدْوِيِّ لِأَنَّ الْخِطَابَ تَوَجَّهَ إلَيْهِمْ بِذِكْرِ الْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ وَهَؤُلَاءِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ يَعْنِي مِنْ رِجَالِ الْمُؤْمِنِينَ الْأَحْرَارِ وَهَذِهِ صِفَةُ هَؤُلَاءِ ثُمَّ قَالَ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ وَإِذَا كَانُوا عُدُولًا فَهُمْ مَرْضِيُّونَ وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى فِي شَأْنِ الرَّجْعَةِ وَالْفِرَاقِ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَهَذِهِ الصِّفَةُ شَامِلَةٌ لِلْجَمِيعِ إذَا كَانُوا عُدُولًا وَفِي تَخْصِيصِ الْقَرَوِيِّ بِهَا دُونَ الْبَدْوِيِّ تَرْكُ الْعُمُومِ بِغَيْرِ دَلَالَةٍ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُمْ مُرَادُونَ بقوله وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ وبقوله مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْبَدْوِيِّ عَلَى بَدْوِيٍّ مِثْلِهِ عَلَى شَرْطِ الْآيَةِ وَإِذَا كَانُوا مُرَادِينَ بِالْآيَةِ فَقَدْ اقْتَضَتْ جَوَازَ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الْقَرَوِيِّ مِنْ حَيْثُ اقْتَضَتْ جَوَازَ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَمِنْ حَيْثُ اقْتَضَتْ جَوَازَ شَهَادَةِ الْقَرَوِيِّ عَلَى البدوي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute