للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى بُطْلَانِ الْقَوْلِ بِإِمَامٍ مَعْصُومٍ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَاحْتِجَاجُ مَنْ يَحْتَجُّ فِيهِ بِأَنَّ أُمُورَ الدِّينِ كُلَّهَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَبْنِيَّةً عَلَى مَا يُوجِبُ الْعِلْمَ الْحَقِيقِيَّ دُونَ غَالِبِ الظَّنِّ وَأَكْثَرِ الرَّأْيِ وَأَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ إمَامٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يُؤْمَنْ الْخَطَأُ فِيهَا لِأَنَّ الرَّأْيَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا زَعَمُوا لَوَجَبَ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَةُ الشُّهُودِ إلَّا أَنْ يَكُونُوا مَعْصُومِينَ مَأْمُونًا عَلَيْهِمْ الْخَطَأُ وَالزَّلَلُ فَلَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَبُولِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ إذَا كَانُوا مَرْضِيِّينَ فِي ظَاهِرِ أَحْوَالِهِمْ دُونَ الْعِلْمِ بِحَقِيقَةِ مُغَيَّبِ أُمُورِهِمْ مَعَ جَوَازِ الْكَذِبِ وَالْغَلَطِ عَلَيْهِمْ ثَبَتَ بُطْلَانُ الْأَصْلِ الَّذِي بَنَوْا عَلَيْهِ أَمْرَ النَّصِّ فَإِنْ قَالُوا الْإِمَامُ يَعْلَمُ صِدْقَ الشُّهُودِ مِنْ كَذِبِهِمْ قِيلَ لَهُمْ فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يَسْمَعَ شَهَادَةَ الشُّهُودِ غَيْرُ الْإِمَامِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْإِمَامِ قَاضٍ وَلَا أَمِينٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْعِصْمَةِ وَفِي الْعِلْمِ بِمُغَيَّبِ أَمْرِ الشُّهُودِ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ أَعْوَانِ الْإِمَامِ إلَّا مَعْصُومًا مَأْمُونَ الزَّلَلِ وَالْخَطَإِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ فَلَمَّا جَازَ أَنْ يَكُونَ لِلْإِمَامِ حُكَّامٌ وَشُهُودٌ وَأَعْوَانٌ بِغَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ ثَبَتَ بِذَلِكَ جَوَازُ كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ مَبْنِيًّا عَلَى اجْتِهَادِ الرَّأْيِ وَغَالِبِ الظَّنِّ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِمَّا تَعَبَّدَنَا اللَّهُ بِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ اعْتِبَارِ أَحْوَالٍ الشُّهُودِ بِمَا يَغْلِبُ فِي الظَّنِّ مِنْ عَدَالَتِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ دَلَالَةٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ نُفَاةِ الْقِيَاسِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا نُصُوصَ فِيهَا وَلَا إجْمَاعَ لِأَنَّ الدِّمَاءَ وَالْفُرُوجَ وَالْأَمْوَالَ وَالْأَنْسَابَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي قد

عقد بهما مَصَالِحُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ فِيهَا بِقَبُولِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ الَّذِينَ لَا نَعْلَمُ مُغَيَّبَ أُمُورِهِمْ وَإِنَّمَا نَحْكُمُ بِشَهَادَاتِهِمْ بِغَالِبِ الظَّنِّ وَظَاهِرِ أَحْوَالِهِمْ مَعَ تَجْوِيزِ الْكَذِبِ وَالْخَطَإِ وَالزَّلَلِ وَالسَّهْوِ عَلَيْهِمْ فَثَبَتَ بِذَلِكَ تَجْوِيزُ الِاجْتِهَادِ وَاسْتِعْمَالُ غَلَبَةِ الرَّأْيِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ مِنْ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ وَلَا اتِّفَاقَ وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ قَبُولِ الْأَخْبَارِ الْمُقَصِّرَةِ عَنْ إيجَابِ الْعِلْمِ بِمُخْبِرَاتِهَا مِنْ أُمُورِ الدِّيَانَاتِ عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ شَهَادَةَ الشُّهُودِ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلْعِلْمِ بِصِحَّةِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِالْحُكْمِ بِهَا مَعَ تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي الْمُغَيَّبِ بِخِلَافِهِ فَبَطَلَ بِذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُ خَبَرِ مَنْ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِخَبَرِهِ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَقَدْ دَلَّ أَيْضًا عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ مَنْ يَسْتَدِلُّ عَلَى رَدِّ أَخْبَارِ الْآحَادِ بِأَنَّا لَوْ قَبِلْنَاهَا لَكِنَّا قَدْ جَعَلْنَا مَنْزِلَةَ الْمُخْبِرِ أَعْلَى مِنْ مَنْزِلَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ لَمْ يَجِبْ فِي الْأَصْلِ قَبُولُ خَبَرِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم إلَّا بَعْدَ ظُهُورِ الْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِقَبُولِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ الَّذِينَ ظَاهِرُهُمْ الْعَدَالَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا عِلْمُ مُعْجِزَةٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِمْ وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَا مِنْ اعْتِبَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>