إلَى قَوْلِهِ مِمَّا يَدَّعِيهِ لِنَفْسِهِ مِنْ الصَّلَاحِ وَالْأَمَانَةِ فَقَالَ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا الْآيَةَ ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ مَغِيبِ أَمْرِهِ وَحَقِيقَةِ حَالِهِ فَقَالَ وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها الْآيَةَ فَأَعْلَمَنَا ذَلِكَ مِنْ حَالِ بَعْضِ مَنْ يُعْجَبُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ وَقَالَ أَيْضًا فِي صِفَةِ قوم آخرين وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ الْآيَةَ فَحَذَّرَ نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاغْتِرَارَ بِظَاهِرِ حَالِ الْإِنْسَانِ وَأَمَرَنَا بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ فَقَالَ وَاتَّبِعُوهُ وَقَالَ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فَغَيْرُ جَائِزٍ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا الرُّكُونُ إلَى ظَاهِرِ أَمْرِ الْإِنْسَانِ دُونَ التَّثَبُّتِ فِي شَهَادَتِهِ وَالْبَحْثِ عَنْ أَمْرِهِ حَتَّى إذَا غَلَبَ فِي ظَنِّهِ عَدَالَتُهُ قَبِلَهَا وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الشُّهُودَ الْمَقْبُولِينَ بِصِفَتَيْنِ إحْدَاهُمَا الْعَدَالَةَ فِي قَوْله تَعَالَى اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ وقوله وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَالْأُخْرَى أَنْ يَكُونُوا مَرْضِيِّينَ لِقَوْلِهِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ وَالْمَرْضِيُّونَ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مِنْ صِفَتِهِمْ الْعَدَالَةُ وَقَدْ يَكُونُ عَدْلًا غَيْرَ مَرْضِيٍّ فِي الشَّهَادَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ غَمْرًا مُغَفَّلًا يَجُوزُ عليه التذوير والتمويه فقوله مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ فقد انْتَظَمَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالتَّيَقُّظِ وَذَكَاءِ الْفَهْمِ وَشِدَّةِ الْحِفْظِ وَقَدْ أَطْلَقَ اللَّهُ ذِكْرَ الشَّهَادَةِ فِي الزِّنَا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِذِكْرِ الْعَدَالَةِ وَهِيَ مِنْ شَرْطِهَا الْعَدَالَةُ وَالرِّضَى جَمِيعًا وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا وَذَلِكَ عُمُومٌ فِي إيجَابِ التَّثَبُّتِ فِي سَائِرِ أَخْبَارِ الْفُسَّاقِ وَالشَّهَادَةُ خَبَرٌ فَوَجَبَ التَّثَبُّتُ فِيهَا إذَا كَانَ الشَّاهِدُ فَاسِقًا فَلَمَّا نَصَّ اللَّهُ عَلَى التَّثَبُّتِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ وَأَوْجَبَ عَلَيْنَا قَبُولَ شَهَادَةِ الْعُدُولِ الْمَرْضِيِّينَ وَكَانَ الْفِسْقُ قَدْ يُعْلَمُ مِنْ جِهَةِ الْيَقِينِ وَالْعَدَالَةُ لَا تُعْلَمُ مِنْ جِهَةِ الْيَقِينِ دُونَ ظَاهِرِ الْحَالِ عَلِمْنَا أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ وَمَا يَظْهَرُ مِنْ صَلَاحِ الشَّاهِدِ وَصِدْقِ لَهْجَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى أَكْثَرِ الظَّنِّ فَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْمُهَاجِرَاتِ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ وَهَذَا هُوَ عِلْمُ الظَّاهِرِ دُونَ الْحَقِيقَةِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بِعَدَالَةِ الشَّاهِدِ طَرِيقُهُ الْعِلْمُ الظَّاهِرُ دُونَ الْمُغَيَّبِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِاجْتِهَادِ الرَّأْيِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ إذْ كَانَتْ الشَّهَادَاتُ مِنْ مَعَالِمِ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَقَدْ عُقِدَ بِهَا مَصَالِحُ الْخَلْقِ فِي وَثَائِقِهِمْ وَإِثْبَاتِ حُقُوقِهِمْ وَأَمْلَاكِهِمْ وَإِثْبَاتِ الْأَنْسَابِ وَالدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ وَأَكْثَرِ الرَّأْيِ إذْ لَا يُمْكِنُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ إمْضَاءُ حُكْمٍ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ مِنْ طَرِيقِ حَقِيقَةِ الْعِلْمِ بِصِحَّةِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَهُوَ يَدُلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute