للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا رُوِيَ فِي الْمُصَرَّاةِ أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَرُدُّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَلَمْ يَعْتَبِرْ مِقْدَارَ اللَّبَنِ الَّذِي أَخَذَهُ وَذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَنَا مَنْسُوخٌ بِتَحْرِيمِ الرِّبَا وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِإِيجَابِ الرُّكُوبِ وَاللَّبَنِ لِلرَّاهِنِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ مِنْ صِفَاتِ الرَّهْنِ الْقَبْضَ كَمَا جَعَلَ مِنْ صِفَاتِ الشَّهَادَةِ الْعَدَالَةَ بِقَوْلِهِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ وقوله مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ زَوَالَ هَذِهِ الصِّفَةِ عَنْ الشَّهَادَةِ يَمْنَعُ جَوَازَ الشَّهَادَةِ فَكَذَلِكَ لَمَّا جَعَلَ مِنْ صِفَاتِ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ مَقْبُوضًا بِقَوْلِهِ فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ وَجَبَ إبْطَالُ الرَّهْنِ لِعَدَمِ هَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْقَبْضِ فَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ مُسْتَحِقًّا لِلْقَبْضِ الذي به يصح الرهن لمنع ذلك من صحته بديا لِمُقَارَنَةِ مَا يُبْطِلُهُ وَلَوْ صَحَّ بَدِيًّا لَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ بِاسْتِحْقَاقِ قَبْضِهِ وُجُوبُ رَدِّهِ إلَى يَدِهِ وَأَيْضًا لَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ الرَّاهِنَ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَرْهُونَةِ وَالْوَطْءُ مِنْ مَنَافِعِهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمَ سَائِرِ الْمَنَافِعِ فِي بُطْلَانِ حَقِّ الرَّاهِنِ فِيهَا وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنَّ الرَّاهِنَ إنَّمَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْوَطْءَ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَسْتَحِقُّ ثُبُوتَ يَدِهِ عَلَيْهَا كَذَلِكَ الِاسْتِخْدَامُ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ شَرَطَ مِلْكَ الرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ إذَا رَهَنَهُ رَهْنًا وَقَالَ إنْ جِئْتُك بِالْمَالِ إلَى شَهْرٍ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعٌ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَقَالَ مَالِكٌ الرَّهْنُ فَاسِدٌ وَيَنْقَضِ فَإِنْ لَمْ يُنْقَضْ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ بِذَلِكَ الشَّرْطِ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُ بِحَقِّهِ وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَإِنْ تَغَيَّرَ فِي يَدِهِ لَمْ يُرَدَّ وَلَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ فِي ذَلِكَ يَوْمَ حَلَّ الْأَجَلُ وَهَذَا فِي السِّلَعِ وَالْحَيَوَانِ وَأَمَّا فِي الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا إلَى الرَّاهِنِ وَإِنْ تَطَاوَلَ إلَّا أَنْ تَنْهَدِمَ الدَّارُ أَوْ يُبْنَى فِيهَا أَوْ يُغْرَسُ فِي الْأَرْضِ فَهَذَا فَوْتٌ وَيُغْرَمُ الْقِيمَةُ مِثْلَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَقَالَ الْمُعَافَى عَنْ الثَّوْرِيِّ فِي الرَّجُلِ يَرْهَنُ صَاحِبَهُ الْمَتَاعَ وَيَقُولُ إنْ لَمْ آتِك فَهُوَ لَك قَالَ لَا يَغْلَقُ ذَلِكَ الرَّهْنُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ لَيْسَ قَوْلُهُ هَذَا بِشَيْءٍ وَقَالَ الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَوْ رَهَنَهُ وَشَرَطَ لَهُ إنْ لَمْ يَأْتِهِ بِالْحَقِّ إلَى كَذَا فَالرَّهْنُ لَهُ بَيْعٌ فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ وَالرَّهْنُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ اتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الرَّهْنِ وَفَسَادِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَلَفَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَغْلَقُ الرَّهْنُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالدَّيْنِ بِمُضِيِّ الْأَجَلِ لِلشَّرْطِ الَّذِي شَرَطَاهُ فَإِنَّمَا نَفَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَلْقَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَنْفِ صِحَّةَ الرَّهْنِ الَّذِي شَرَطَاهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الرَّهْنِ وَبُطْلَانِ الشَّرْطِ وَهُوَ أَيْضًا قِيَاسُ الْعُمْرَى الَّتِي أَبْطَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا الشَّرْطَ وَأَجَازَ الْهِبَةَ والمعنى الجامع

<<  <  ج: ص:  >  >>