إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ مِثْلَهُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ الْكَلَالَةَ مَا عَدَا الْوَلَدَ فَلَمَّا اخْتَلَفَ السَّلَفُ فيها عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ وَسَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَعْنَاهَا فَوَكَّلَهُ إلَى حُكْمِ الْآيَةِ وَمَا فِي مَضْمُونِهَا وَهِيَ قَوْله تَعَالَى يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا طَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ اللُّغَةُ ثَبَتَ أَنَّ مَعْنَى اسْمِ الْكَلَالَةِ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنْ اللُّغَةِ وَأَنَّهُ مِنْ مُتَشَابِهِ الْآيِ الَّتِي أمرنا الله تعالى بالاستدلال على معناه بالحكم وَرَدَّهُ إلَيْهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُجِبْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ عَنْ سُؤَالِهِ فِي مَعْنَى الْكَلَالَةِ وَوَكَّلَهُ إلَى اسْتِنْبَاطِهِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ ضُرُوبٌ مِنْ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَعَانِي أحدها أن بمسئلته إيَّاهُ لَمْ يُلْزِمْهُ تَوْقِيفَهُ عَلَى مَعْنَاهَا مِنْ طَرِيقِ النَّصِّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ تَوْقِيفُهُ عَلَى مَعْنَاهَا لَمَا أَخْلَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيَانِهَا وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَمْرُ الْكَلَالَةِ فِي الْحَالِ الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا حَادِثَةٌ تُلْزِمُهُ تَنْفِيذَ حُكْمِهَا فِي الْحَالِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا أَخْلَاهُ مِنْ بَيَانِهَا وَإِنَّمَا سَأَلَهُ سُؤَالَ مُسْتَفْهِمٍ مُسْتَرْشِدٍ لِمَعْنَى الآية من طريق النص ولم يكن عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْقِيفُ النَّاسِ عَلَى جَلِيلِ الْأَحْكَامِ وَدَقِيقِهَا لِأَنَّ مِنْهَا مَا هُوَ مَذْكُورٌ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِدَلَالَةٍ مُفْضِيَةٍ إلَى الْعِلْمِ بِهِ لا احتمال فيه ومنها ما هو موكولا إلَى اجْتِهَادِ الرَّأْيِ فَرَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ إلَى اجْتِهَادِهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَأَنَّهُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَفِيهِ الدَّلَالَةُ عَلَى تَسْوِيغِ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ فِي الْأَحْكَامِ وَأَنَّهُ أَصْلٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَعَانِي الْآيِ الْمُتَشَابِهَةِ وَبِنَائِهَا على المحكم واتفاق الصحابة أيضا على تسويغ الِاجْتِهَادِ فِي اسْتِخْرَاجِ مَعَانِي الْكَلَالَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ هُوَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَأَجَابَ عُمَرُ بِأَجْوِبَةٍ مُخْتَلِفَةٍ وَوَقَفَ فِيهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَلَمْ يُنْكِرْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ الْكَلَامَ فِيهَا بِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَى تَسْوِيغِ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا
رَوَى أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ
إنَّمَا هُوَ فيمن قال فيه بما سنخ فِي وَهْمِهِ وَخَطَرَ عَلَى بَالِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْلَالٍ عَلَيْهِ بِالْأُصُولِ وَأَنَّ مَنْ اسْتَدَلَّ عَلَى حُكْمِهِ وَاسْتَنْبَطَ مَعْنَاهُ فَحَمَلَهُ عَلَى الْمُحْكَمِ الْمُتَّفَقِ عَلَى مَعْنَاهُ فَهُوَ مَمْدُوحٌ مَأْجُورٌ مِمَّنْ قَالَ الله تعالى لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَقَدْ تَكَلَّمَ أَهْلُ اللُّغَةِ فِي مَعْنَى الْكَلَالَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى الْكَلَالَةُ كُلُّ مَنْ لَمْ يَرِثْهُ أَبٌ وَلَا ابْنٌ فهو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute