فَجَعَلَ فَرْقَ اللَّهِ بَيْنَهُمَا فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ دَلِيلًا عَلَى السَّائِلِ وَالسَّائِلُ لَمْ يُشْكِلْ عَلَيْهِ إبَاحَةُ النِّكَاحِ وَتَحْرِيمُ الزِّنَا وَإِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ وَجْهِ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ عَلَى مَا ذُكِرَ فَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهَا وَاشْتَغَلَ بِأَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ وَهَذَا حَلَالٌ فَإِنْ كَانَ هَذَا السَّائِلُ مِنْ عَمَى الْقَلْبِ بِالْمَحَلِّ الَّذِي لَمْ يُعْرَفْ بَيْنَ النِّكَاحِ وَبَيْنَ الزِّنَا فَرْقًا مِنْ وَجْهٍ مِنْ الوجوه فمثله لا يستحق الجواب لأنه مؤوف الْعَقْلِ إذْ الْعَاقِلُ لَا يُنْزِلُ نَفْسَهُ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ مِنْ التَّجَاهُلِ وَإِنْ كَانَ قَدْ عَرَفَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَحَدَهُمَا مَحْظُورٌ وَالْآخَرُ مُبَاحٌ وَإِنَّمَا سَأَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي امْتِنَاعِ جَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي إيجَابِ تَحْرِيمِ النِّكَاحِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُجِبْهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى تِلَاوَةِ الْآيَتَيْنِ فِي الْإِبَاحَةِ وَالْحَظْرِ وَأَنَّ الْحَلَالَ ضِدُّ الْحَرَامِ إذْ لَيْسَ فِي كَوْنِ الْحَلَالِ ضِدَّ الْحَرَامِ مَا يَمْنَعُ اجْتِمَاعَهُمَا فِي إيجَابِ التَّحْرِيمِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَطْءَ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ هُوَ حَرَامٌ وَوَطْءُ الْحَائِضِ حَرَامٌ بِنَصِّ التَّنْزِيلِ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ ضِدُّ الْوَطْءِ الْحَلَالِ وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي إيجَابِ التَّحْرِيمِ وَالطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ مَحْظُورٌ وَفِي الطُّهْرِ قَبْلَ الْجِمَاعِ مُبَاحٌ وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ إيجَابِ التَّحْرِيمِ فَإِنْ كَانَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقِيَاسَ مُمْتَنِعٌ فِي الضِّدَّيْنِ فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يَجْتَمِعَا أَبَدًا فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِي الشَّرِيعَةِ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ وَأَنَّ كَوْنَهُمَا ضِدَّيْنِ لَا يَمْنَعُ اجْتِمَاعَهُمَا فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ وُرُودَ النَّصِّ جَائِزٌ بِمِثْلِهِ وَمَا جَازَ وُرُودُ النَّصِّ بِهِ سَاغَ فِيهِ الْقِيَاسُ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا فِي الْعَقْلِ وَلَا فِي الشَّرْعِ اجْتِمَاعُ الضِّدَّيْنِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ فَقَوْلُهُ إنَّ الْحَلَالَ ضِدُّ الْحَرَامِ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ سَأَلَهُ السَّائِلُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَهَى الْمُصَلِّي عَنْ الْمَشْيِ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ الِاضْطِجَاعِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَالْمَشْيُ وَالِاضْطِجَاعُ ضِدَّانِ وَقَدْ اجْتَمَعَا فِي النَّهْيِ وَلَا يُحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى الْإِكْثَارِ إذْ لَيْسَ يَمْتَنِعُ أَحَدٌ مِنْ إجَازَتِهِ فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ إنَّهُمَا ضِدَّانِ مَعْنًى يُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ حُكِيَ عَنْ السَّائِلِ أَنَّهُ قَالَ أَجِدُ جِمَاعًا وَجِمَاعًا فَأَقِيسُ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ قَالَ قُلْت وَجَدْت جِمَاعًا حَلَالًا حَمِدْت بِهِ وَوَجَدْت جِمَاعًا حَرَامًا رَجَمْت بِهِ أَفَرَأَيْته يُشْبِهُهُ قَالَ مَا يُشْبِهُهُ فَهَلْ تُوَضِّحُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَقَدْ سَلَّمَ لَهُ السَّائِلُ أَنَّهُ مَا يُشْبِهُهُ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ مِنْ حَيْثُ افْتَرَقَا فَهَذَا مَا لَا يُنَازَعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ لَا يُشْبِهُهُ مِنْ حَيْثُ رَامَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ إيجَابِ التَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ يَنْفِي الشَّبَهَ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute