للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيَاسٌ إلَّا وَهُوَ تَشْبِيهٌ لِلشَّيْءِ بِغَيْرِهِ

مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ دُونَ جَمِيعِهَا فَإِنْ كَانَ افْتِرَاقُ الشَّيْئَيْنِ مِنْ وَجْهٍ يُوجِبُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ إبْطَالُ الْقِيَاسِ أَصْلًا إذْ لَيْسَ يَجُوزُ وُجُودُ الْقِيَاسِ فِيمَا اشْتَبَهَا فِيهِ مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ فَقَدْ بَانَ أَنَّ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمَا سَلَّمَهُ لَهُ السَّائِلُ كَلَامٌ فَارِغٌ لَا مَعْنًى تَحْتَهُ فِي حُكْمِ مَا سُئِلَ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ السَّائِلُ هَلْ تُوَضِّحُهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا قَالَ نَعَمْ أَفَتَجْعَلُ الْحَلَالَ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ قِيَاسًا عَلَى الْحَرَامِ الَّذِي هُوَ نِقْمَةٌ وَهَذَا هُوَ تَكْرَارٌ لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِزِيَادَةِ النِّعْمَةِ وَالنِّقْمَةِ وَالسُّؤَالُ قَائِمٌ عَلَيْهِ لَمْ يُجِبْ بِمَا تَقْتَضِيهِ مُطَالَبَةُ السائل ببيان وَجْهِ الدَّلَالَةِ فِي مَنْعِ هَذَا الْقِيَاسِ وَهُوَ قَدْ جَعَلَ هَذَا الْحَرَامَ الَّذِي هُوَ نِقْمَةٌ وَهُوَ وَطْءُ الْحَائِضِ وَالْجَارِيَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالْوَطْءُ بِالنِّكَاحِ الفاسد الْحَلَالِ الَّذِي هُوَ نِعْمَةٌ فِي إيجَابِ التَّحْرِيمِ فَانْتَقَضَ مَا ذَكَرَهُ وَادَّعَاهُ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ أَقَامَهَا عَلَيْهِ وَحَكَى عَنْ السَّائِلِ أَنَّهُ قَالَ إنَّ صَاحِبَنَا قَالَ يُوجِدُكُمْ أَنَّ الْحَرَامَ يُحَرِّمُ الْحَلَالَ قَالَ قُلْت لَهُ أَفِيمَا اخْتَلَفْنَا فِيهِ مِنْ النِّسَاءِ قَالَ لَا وَلَكِنْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْمَشْرُوبِ وَالنِّسَاءِ قِيَاسٌ عَلَيْهِ قَالَ قُلْت أَفَتُجِيزُ لِغَيْرِك أَنْ يَجْعَلَ الصَّلَاةَ قِيَاسًا عَلَى النِّسَاءِ قَالَ أَمَّا فِي شَيْءٍ فَلَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا أَنْ يقيس تحريم الحرام والحلال مِنْ غَيْرِ النِّسَاءِ عَلَى النِّسَاءِ مَعَ إطْلَاقِهِ الْقَوْلَ بَدِيًّا أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُجِزْ قِيَاسَ الزِّنَا عَلَى الْوَطْءِ الْمُبَاحِ لِأَنَّهُ حَرَامٌ وَهُوَ ضِدُّ الْحَلَالِ وَالْحَلَالُ نِعْمَةٌ وَالْحَرَامُ نِقْمَةٌ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ لِذَلِكَ بِأَنَّ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ فِي مَنْعِ الْقِيَاسِ مَقْصُورَةٌ عَلَى النِّسَاءِ دُونَ غَيْرِهِنَّ وَإِطْلَاقُهُ الِاعْتِلَالَ بِالْفَرْقِ الَّذِي ذُكِرَ يَلْزَمُهُ إجْرَاؤُهُ فِي سَائِرِ مَا وُجِدَ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ نَاقَضَ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ فَإِذَا جَازَ تَحْرِيمُ الْحَرَامِ الْحَلَالَ فِي غَيْرِ النِّسَاءِ هَلَّا جَازَ مِثْلُهُ فِي النِّسَاءِ مَعَ كون أحدهما ضد الآخر وَكَوْنُ أَحَدِهِمَا نِعْمَةً وَالْآخَرُ نِقْمَةً كَمَا كَانَ الْوَطْءُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مِثْلَ الْوَطْءِ بِالنِّكَاحِ فِي إيجاب التحريم مع كون ملك اليمين ضد لِلنِّكَاحِ أَلَا تَرَى أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ وَالنِّكَاحِ لَا يَجْتَمِعَانِ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ وَحَكَى عَنْ السَّائِلِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ إنَّ الصَّلَاةَ حَلَالٌ وَالْكَلَامُ فِيهَا حَرَامٌ فَإِذَا تَكَلَّمَ فِيهَا فَسَدَتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ فَقَدْ أَفْسَدَ الْحَلَالَ بِالْحَرَامِ قَالَ قُلْت له زعمت أن الصلاة فاسدة الصلاة لَا تَكُونُ فَاسِدَةً وَلَكِنَّ الْفَاسِدَ فِعْلُهُ لَا هِيَ وَلَكِنْ لَا تُجْزِي عَنْك الصَّلَاةُ لِأَنَّك لَمْ تَأْتِ بِهَا كَمَا أُمِرْت قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا ظَنَنْت أَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ يُنْتَدَبُ لِمُنَاظَرَةِ خَصْمٍ يَبْلُغُ بِهِ الْإِفْلَاسَ مِنْ الْحُجَّاجِ إلَى أَنْ يَلْجَأَ إلَى مِثْلِ هَذَا مَعَ سَخَافَةِ عَقْلِ السَّائِلِ وَغَبَاوَتِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَمْتَنِعُ مِنْ إطْلَاقِ الْقَوْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>