أَوْ أَمْرٌ بِهِ وَقَالُوا فِي النِّكَاحِ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا فَقَالُوا إذَا قَالَ زَوَّجَنِي بِنْتَك فَقَالَ قَدْ زَوَّجْتُك أَنَّهُ يَكُونُ نِكَاحًا وَلَا يَحْتَاجُ الزَّوْجُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى قَبُولٍ
لِحَدِيثِ سَهْلٍ بْنِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْبَلْهَا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ زَوِّجْنِيهَا فَرَاجَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُعْطِيهَا إلَى أَنْ قَالَ له زوجتكها عقدا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ
فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ زَوِّجْنِيهَا مَعَ قَوْلِهِ زَوَّجْتُكهَا عَقْدًا وَاقِعًا وَلِأَخْبَارٍ أُخَرَ قَدْ رُوِيت فِي ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصِدُ فِي النِّكَاحِ الدُّخُولَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْمُسَاوَمَةِ وَالْعَادَةُ فِي مِثْلِهِ أَنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ فِيهِ بَيْنَ قَوْلِهِ زَوِّجْنِي وَبَيْنَ قَوْلِهِ قَدْ زَوَّجْتُك فَلَمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي النِّكَاحِ بِمَا وَصَفْنَا كَانَ قَوْلُهُ قد زوجتك وَقَوْلُهُ زَوِّجِينِي نَفْسَك سَوَاءً وَلَمَّا كَانَتْ الْعَادَةُ فِي الْبَيْعِ دُخُولَهُمْ فِيهِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ بَدِيًّا كَانَ ذَلِكَ سَوْمًا وَلَمْ يَكُنْ عَقْدًا فَحَمَلُوهُ عَلَى الْقِيَاسِ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ إيجَابَ التَّمْلِيكِ وَإِيقَاعَ الْعَقْدِ إنَّهُ يَقَعُ بِهِ الْعَقْدُ وَهُوَ أَنْ يُسَاوِمَهُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ يَزِنَ له الدراهم ويأخذ للمبيع فَجَعَلُوا ذَلِكَ عَقْدًا لِوُقُوعِ تَرَاضِيهِمَا بِهِ وَتَسْلِيمِ كل واحد منهما إلى صاحبه ما طالبه مِنْهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ جَرَيَانَ الْعَادَةِ بِالشَّيْءِ كَالنُّطْقِ بِهِ إذْ كَانَ الْمَقْصِدُ مِنْ الْقَوْلِ الْإِخْبَارَ عَنْ الضَّمِيرِ وَالِاعْتِقَادَ فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ بِالْعَادَةِ مَعَ التَّسْلِيمِ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَجْرَوْا ذَلِكَ مَجْرَى الْعَقْدِ وَكَمَا يُهْدِي الْإِنْسَانُ لَغَيْرِهِ فَيَقْبِضَهُ فَيَكُونَ لِلْهِبَةِ
وَنَحَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَنَاتٍ ثُمَّ قَالَ مَنْ شَاءَ فَلِيَقْتَطِعْ
فَقَامَ الِاقْتِطَاعُ فِي ذَلِكَ مَقَامَ الْقَبُولِ لِلْهِبَةِ فِي إيجَابِ التَّمْلِيكِ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هِيَ طُرُقُ التَّرَاضِي الْمَشْرُوطِ فِي قَوْلِهِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إذَا قَالَ بِعْنِي هَذَا بِكَذَا فَقَالَ قَدْ بِعْتُك فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ حَتَّى يَقُولَ قَدْ زَوَّجْتُكهَا وَيَقُولَ الْآخَرُ قَدْ قَبِلْت تَزْوِيجَهَا أَوْ يَقُولَ الْخَاطِبُ زَوِّجْنِيهَا وَيَقُولَ الْوَلِيُّ قَدْ زَوَّجْتُكهَا فَلَا يَحْتَاجُ فِي هَذَا إلَى قَوْلِ الزَّوْجِ قَدْ قَبِلْت فَإِنْ قِيلَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي الْمُتَسَاوِمَيْنِ إذَا تَسَاوَمَا عَلَى السِّلْعَةِ ثُمَّ وَزَنَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَسَلَّمَهُ إلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَائِعُ السِّلْعَةَ إلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ وَهُوَ تِجَارَةٌ عَنْ تَرَاضٍ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَيْعًا لِأَنَّ لِعَقْدِ الْبَيْعِ صِيغَةٌ وَهِيَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ بِالْقَوْلِ وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِيمَا وَصَفْت
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عن الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَبَيْعِ الْحَصَاةِ
وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ الَّتِي أَبْطَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوُقُوعِهَا بِغَيْرِ لَفْظِ الْبَيْعِ قِيلَ لَهُ لَيْسَ هَذَا كَمَا ظَنَنْت وَلَيْسَ مَا أَجَازَهُ أَصْحَابُنَا مِمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute