للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فبأي شيء حصلت هذه التفرقة؟ «١».

فكذلك عرفت العرب ومن يعلم البلاغة من غيرهم مباينة القرآن العزيز سائر الكلام، وذلك بصحة الذوق، وسلامة الطبع ولطف الحس، حتى أنّ منهم من يعرف شعر الشاعر، وإن دلّس بغيره، ويفصله ممّا «٢» دلّس به ويقول «٣»: هذا كلام فلان «٤».

ولقد رفع الى الخليفة «٥» شعر صالح بن عبد القدوس «٦» في شيء من الكفر فلما مثل بين يديه، أنكر أن يكون ذلك من قوله، فأنشده غير ذلك مما اعترف به، فقال: هذا من نسبة ذاك، فقتله.

فانظر كيف عرف شعره وأسلوبه واتحاد طريقه حتى قضى بأنه كله شيء واحد، وإن لم يكن في الثاني شيء مما في الأول.

وقد يكون كلام البشر فصيحا مليحا موصوفا بالجودة، وأنه مطابق للمعنى، سليم من التعمّق والتعسّف والتكلّف، بريء من النقصان والزيادة، حسن المجاورة، تتبع الكلمة الكلمة التي تناسبها وتكون بها أولى من غيرها، خفيف على السمع، حلو في النطق جار على المعتاد من كلام الفصحاء والبلغاء.

ومع ذلك فلا يقارب القرآن في شيء من ذلك ولا يدانيه «٧».


(١) انظر نحو هذا الكلام في إعجاز القرآن للباقلاني ١١٣ - ١١٦.
(٢) في د: ويفصله عمّا.
(٣) في ظ: وتقول.
(٤) يقول الباقلاني: « .. والعالم لا يشذ عنه شيء من ذلك، ولا تخفى عليه مراتب هؤلاء، ولا تذهب عليه أقدارهم، حتى إنّه إذا عرف طريقة شاعر في قصائد معدودة، فأنشد غيرها من شعره لم يشك أنّ ذلك من نسجه، ولم يرتب في أنّها من نظمه .. » اه إعجاز القرآن: ١٢٠. وهو مؤدي كلام السخاوي الذي ذكره عن الخليفة المهدي العباسي وصالح بن عبد القدوس الآتي.
(٥) هو محمد بن عبد الله المنصور العباسي، أبو عبد الله المهدي بالله، من خلفاء الدولة العباسية في العراق، كان محمود العهد والسيرة (١٢٧ - ١٦٩ هـ) تاريخ بغداد ٥/ ٣٩١ والبداية والنهاية ١٠/ ١٥٥ الأعلام ٦/ ٢٢١.
(٦) صالح بن عبد القدوس بن عبد الله الأزدي، أبو الفضل، شاعر حكيم اتهم عند المهدي العباسي بالزندقة فقتله ببغداد سنة (١٦٠ هـ) أو نحوها.
ميزان الاعتدال ٢/ ٢٩٧، وتاريخ بغداد ٩/ ٣٠٣، والأعلام ٣/ ١٩٢.
(٧) يقول الباقلاني: ما ملخصه: «ليس للعرب كلام مشتمل على فصاحة القرآن وغرابته، وتصرفه البديع، ومعانيه اللطيفة وفوائده الغزيرة، وحكمه الكثيرة، والتناسب في البلاغة والتشابه في

<<  <  ج: ص:  >  >>