للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: فأي فائدة في تكرير القصص فيه والأنباء؟ قيل: لذلك فوائد «١»:

أ) منها أن يقول المعاند والجاحد: كيف أعارض- مثلا- قصة موسى، وقد سردتها وأوردتها على أفصح القول وأحسنه، وسبقت إلى ذلك، فلم يبق لي طريق إلى المعارضة؟!.

فيقال له: ها هي قد جاءت في القرآن العزيز على أنحاء ومباني، فأت بها أنت ولو على بناء واحد «٢».

ب) ومنها أنّهم لمّا عجزوا عن الإتيان بسورة مثله أتاهم بسور مماثلة في المعنى والنظم والقصة، وذلك أنكى «٣» لقلوبهم.

ج) ومنها أنّ كل أحد لا يقدر على كل سورة، فجاءت هذه السور فيها هذه القصص على قدر قوى البشر، فمن أطاق هذه حفظها، ومن لم يطق حفظ الأخرى، لينال الضعيف نحو ما نال القوي.

د) ومنها أنّ [عادة] «٤» هذه القصص المتحدة على الأنحاء المختلفة مع التماثل في حسن النظم: أبلغ في الفصاحة وأعظم في المعجزة «٥»، فكانت تلك المعاني كعرائس تجلى في


البراعة، على هذا الطول وعلى هذا القدر، وانّما تنسب إلى حكيمهم كلمات معدودة وألفاظ قليلة، وإلى شاعرهم قصائد محصورة، يقع فيها الاختلال ويعترضها الاختلاف، ويشملها التكلف والتجوز والتعسف .. » اه.
اعجاز القرآن: ٣٦ وراجع ٢٤٧ من المصدر نفسه.
(١) اذا أراد القارئ مزيدا من معرفة بعض الحكم والأسرار من تكرير القصص في القرآن فعليه أن يرجع إلى ثلاث رسائل في إعجاز القرآن: ٥٢، وتأويل مشكل القرآن ٢٣٢، والبرهان في علوم القرآن
النوع السادس والأربعون ٣/ ٢٥، والإتقان النوع السادس والخمسون ٣/ ٢٠٤، والقصص القرآني لعبد الكريم الخطيب: ٢٣٠، ومباحث في علوم القرآن لمناع القطان: ٣٠٧.
(٢) قال الباقلاني: «فقد أتى بذكر القصة على ضروب ليعلمهم عجزهم عن جميع طرق ذلك .. ليكون أبلغ في تعجيزهم وأظهر للحجة عليهم اه إعجاز القرآن: ١٨٩.
(٣) نكى العدوّ نكاية: أصاب منه، وأكثر فيه الجراح والقتل، فوهن لذلك، اللسان ١٥/ ٣٤١ (نكى).
(٤) هكذا في الأصل وظ، وفي ظق ود: إعادة. وهو الصواب.
(٥) وهنا يحسن أن أضيف ما قاله أبو بكر الباقلاني في كتابه: إعجاز القرآن: ٦١ «إنّ إعادة ذكر القصة الواحدة بألفاظ مختلفة تؤدي معنى واحدا من الأمر الصعب الذي تظهر به الفصاحة، وتتبين به البلاغة».
- وأعيد كثير من القصص في مواضع كثيرة مختلفة على ترتيبات متفاوتة، ونبهوا بذلك على عجزهم عن الاتيان بمثله مبتدأ به ومكررا.

<<  <  ج: ص:  >  >>