للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملابس مختلفة رائعة، إذا رأيت الواحدة منها «١» قلت: هذه، فإذا رأيت الأخرى قلت: بل هذه، فإذا جاءت الأخرى «٢» قلت؛ لا بل هذه، حتى لا تفضل واحدة على الأخرى، ولا يقدر بليغ ولا ناقد في الفصاحة على ذلك أبدا.

فإن قيل: فهل في إقامته البراهين وإيراد الدلائل على الوحدانية بذكر السموات والأرض وتصريف الرياح والسحاب، وبأنه (لو كان فيهما آلهة إلّا «٣» الله لفسدتا) «٤» وعلى البعث بإنزال الماء وإحياء الأرض بعد موتها، وبالنشأة الأولى الى غير ذلك: إعجاز؟.

قلت: الإعجاز من جهة إيراد هذه الحجج في الأساليب العجيبة والبلاغة الفائقة، فهو راجع إلى ما قدّمناه من نظم القرآن وإعجازه «٥» وأما كونها براهين قاطعة، فهو دليل على صدق النبي صلّى الله عليه وسلّم لأنّه لم يكن من أهل هذا ولا قومه، ولا يعرف شيئا منه، فلا اكتراث بعد ذلك بما أظهره حاسد أو معاند أو جاهل من شك أو ارتياب يظهره لضعيف يكفّره.

ومن آيات الله عزّ وجلّ وتمام حكمته أن تعاطى مسيلمة الكذاب «٦» معارضته، فأتى بما جعله ضحكة للعالمين، ليظهر بذلك مضمون خبره الصادق، بأنّ المعارضة ممتنعة، وأن المماثلة مندفعة.


- «ولو كان فيهم تمكن من المعارضة لقصدوا تلك القصة وعبروا عنها بألفاظ لهم تؤدي تلك المعاني ونحوها ... » اه.
(١) (منها) ساقطة من د، ظ.
(٢) في د، ظ: فإذا جاءت رأيت الأخرى قلت.
(٣) كتبت الآية خطأ في كل النسخ ففي الأصل: إله إلّا الله لفسدتا وفي بقية النسخ: إله آخر لفسدتا.
(٤) اقتباس من آية (٢٢) من سورة الأنبياء.
(٥) القرآن معجز بأسلوبه ونظمه وبلاغته، وما اشتمل عليه من المعارف الإلهية وبيان المبدأ والمعاد، والإخبار بالأمور الغيبية الماضية والحاضرة والمستقبلة، هذا هو القول الصحيح من أقوال العلماء. وقد تقدم أن ذكرت عن الزركشي قوله بأنّ الإعجاز واقع بكل هذا. يقول الخطابي: «واعلم أن القرآن إنّما صار معجزا لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمنا أصح المعاني، من توحيد له عزّت قدرته وتنزيه له في صفاته ودعاء إلى طاعته ... » اه.
ثلاث رسائل: ٢٧، ونقله عنه الزركشي: ٢/ ١٠٣، والسيوطي ٤/ ١٣.
(٦) مسيلمة بن ثمامة الحنفي، أبو ثمامة، متنبئ، أحد الذين ادعوا النبوة في زمن النبي- صلّى الله عليه وسلّم-، وقد أكثر من وضع أسجاع يضاهي بها القرآن الكريم، قتله المسلمون في خلافة أبي بكر الصديق- رضي الله عنه-. سنة ١٢ هـ.
انظر: البداية والنهاية ٥/ ٤٦ - ٤٧. وسيرة ابن هشام: ٢/ ٧٢، والأعلام ٧/ ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>