وذكر ابن القيم بسندين وألفاظ متقاربة عن محمد بن سيرين عن حذيفة أنه قال: (إنما يفتي الناس أحد ثلاثة: رجل يعلم ناسخ القرآن ومنسوخه ... ). قال ابن القيم: «ومراده ومراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ رفع الحكم بجملته تارة- وهو اصطلاح المتأخرين- ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة، أما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه، حتى انهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخا لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد. فالنسخ عندهم، وفي لسانهم: هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ بل بأمر خارج عنه، ومن تأمل كلامهم رأى من ذلك فيه ما لا يحصى، وزال عنه به إشكالات أوجبها حمل كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر» اه. إعلام الموقعين (١/ ٣٥). (١) أي ويكون برفع الحكم وإزالته، أو باستثناء بعض أفراده، أو بتخصيص عمومه، فإن هذه المعاني الثلاثة تشترك في معنى الإزالة والله أعلم. (٢) أما القول بنسخ المكي للمكي فهو أمر لم يتفق عليه بين العلماء، وهو قليل، وقد مثل له مكي بن أبي طالب بقوله تعالى الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا الآية ٧ من سورة غافر؛ قال: قال ابن وهب: «هذا ناسخ لقوله في (عسق) وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ الآية ٥ من سورة الشورى. قال: وهو من نسخ المكي للمكي، وهو قليل غير متفق عليه» اه الإيضاح ص ٣٩٩. وهذا قول مرجوح لأن كليهما خبر. وقد نقل السيوطي هذا عن مكي، ثم قال: وأحسن من هذا نسخ قيام الليل في أول سورة المزمل بآخرها، أو بإيجاب الصلوات الخمس، وذلك بمكة اتفاقا» اه الإتقان (٣/ ٧١). (٣) في د وظ: وأما ينسخ. (٤) قال مكي: وهذان الأصلان عليهما كل الناسخ والمنسوخ، ولا يجوز أن ينسخ المكيّ المدنيّ. قال: ويجوز أن ينسخ المكيّ المكيّ الذي نزل قبله، كما جاز أن ينسخ المدنيّ المدنيّ الذي نزل قبله .. » اه الإيضاح ص ١١٣. (٥) وذلك في أول هذا الكتاب تحت عنوان (نثر الدرر في ذكر الآيات والسور).