للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن كانت هذه الآية نزلت في ذلك فهي محكمة، ولا يقال: إنها ناسخة لفعلهم لأن فعلهم ذلك لم يكن بقرآن نزل ولا هو حكم من أحكام الله عز وجل «١».

ولا يقال:- أيضا- لذلك الفعل الذي كانوا يفعلونه منسوخ.

لأنه لم يكن حكما ثابتا بخطاب سابق لهذا الخطاب.

وعن ابن عباس: (أن هذه الآية منسوخة بقوله عز وجل في المائدة: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «٢» فهذه أوجبت قتل الرجل بالمرأة والمرأة بالرجل والحر بالعبد والعبد بالحر) «٣»، وليس هذا مما أصححه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- لأن هذه الآية إنّما هي «٤» أخبار من الله عزّ وجلّ بما أنزل في «٥» التوراة.

فإن قيل: فقد قال: بعد ذلك-: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ «٦»، قلت: أراد سبحانه أن اليهود خالفوا التوراة، ولم يحكموا بها، وقال بعد ذلك: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ


قال الفخر الرازي: وهو أيضا ضعيف عند النظر، لأنه قد ثبت أن الجماعة تقتل بالواحد ولا تراجع، فكذلك يقتل الذكر بالأنثى ولا تراجع، ولأن القود نهاية ما يجب في القتل فلا يجوز وجوب غيره معه اه. تفسيره (٥/ ١٥).
(١) انظر: تفسير أبي حيان (٢/ ١٠).
(٢) المائدة: (٤٥).
(٣) رواه النحاس في الناسخ عن ابن عباس ص ٢٠، وفي سنده جويبر بن سعيد الأزدي صاحب الضحاك، ضعيف جدا، ليس بشيء، توفي نحو ١٤٠ هـ. التقريب (١/ ١٣٦) والميزان (١/ ٤٢٧)، وأيضا فإن أبا عبيد يقول: إن ابن عباس يذهب إلى أن آية المائدة ليست بناسخة للتي في البقرة، ولكنها كالمفسرة لها، فهما محكمتان. انظر الناسخ والمنسوخ له ص ٣٣٦.
وقد ذكر كل من مكي، وابن الجوزي النسخ عن ابن عباس ورداه. قال مكي: وهذا لا يجوز عند جماعة من العلماء .. اه الإيضاح ص ١٣٤. وقال ابن الجوزي: وهذا القول ليس بشيء لوجهين:
أحدهما: أنه إنما ذكر في آية المائدة ما كتبه على أهل التوراة، وذلك لا يلزمنا ...
والثاني: أن دليل الخطاب عند الفقهاء حجة ما لم يعارضه دليل أقوى منه، وقد ثبت بلفظ الآية أن الحر يوازي الحر فلأن يوازي العبد أولى، ثم أن أول الآية يعم، وهو قوله كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ، وإنما نزلت فيمن كان يقتل حرا بعبد وذكرا بأنثى، فأمروا بالنظر بالتكافؤ اه نواسخ القرآن ص ١٥٦، ١٥٧، وانظر: زاد المسير (١/ ١٨٠).
(٤) (إنما هي): ساقطة من ظ: وكان الناسخ أضافها في الحاشية إلا أنها لم تظهر.
(٥) (في): ساقطة من ظ.
(٦) أي آخر الآية سالفة الذكر ... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>