للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما معنى آية الأعراف: إنما حرّم ربي الفواحش، وما فيه الإثم، وكلامه كله فاسد إلى آخره.

وقوله: لَعَلَّ* من الله عزّ وجلّ واجبة: ليس بصحيح، فقد قال الله عزّ وجلّ فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى «١»، وقد ألانا له القول فَكَذَّبَ وَعَصى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعى * فَحَشَرَ فَنادى * فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى «٢»، وإنما معنى قوله عزّ وجلّ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* فاجتنبوه راجين الفلاح «٣»، أو فاجتنبوه وأنووا إرادة الفلاح «٤».

وأما قول ابن جبير: (كره الخمر قوم للإثم، وشربها قوم للمنفعة): وأي منفعة تبقى مع أن الإثم أكبر منها، فكيف يقدم مقدم على الانتفاع بشيء فيه وبال أكثر وأكبر من الانتفاع به «٥»؟.

وأطرف من هذا قوله: تركوها عند الصلاة «٦»!، فاعلم أن الآية محكمة غير


سببهما يحدث، قال: وإنما اخترنا ما قلنا من التأويل لتواتر الأخبار وتظاهرها بأن هذه الآية نزلت قبل تحريم الخمر والميسر، فكان معلوما بذلك ان الإثم الذي ذكر الله في هذه الآية- فأضافه اليهما- إنما عني به الإثم الذي يحدث عن أسبابهما على ما وصفنا، لا الإثم بعد التحريم) اه جامع البيان (٢/ ٣٦٠).
(١) طه: ٤٤.
(٢) النازعات: ٢١ - ٢٤.
(٣) في ظق: راجين فلاح.
(٤) قال الراغب الأصفهاني: (لعل) طمع واشفاق، وذكر بعض المفسرين أن (لعل) من الله واجب، وفسّر في كثير من المواضع ب (كي) وقالوا: ان الطمع والاشفاق لا يصح على الله تعالى و (لعل) وأن كان طمعا فإن ذلك يقتضي في كلامهم تارة طمع المخاطب .. فقوله تعالى فيما ذكر عن قوم فرعون:
لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ فذلك طمع منهم، وقوله في فرعون لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى فإطماع لموسى- عليه السلام- مع هارون، ومعناه: فقولا له قولا لينا راجين أن يتذكر أو يخشى .. اه المفردات ص ٤٥١، وراجع قطر الندى لابن هشام ص ٢٠٧.
(٥) لأن هذه الآية كانت ممهدة لتحريم الخمر على البتات، ولم تكن مصرحة بل معرضة، فأما الإثم فهو في الدين، وأما المنافع فكانت دنيوية بحتة كلذة شربها، وكذا بيعها والانتفاع بثمنها، وما كان يحصل لبعضهم من الميسر فينفقه على عياله، ولكن هذه المصالح لا توازي مضرته ومفسدته الراجحة لتعلقها بالعقل والدين فاثمهما أكبر من نفعهما. انظر تفسير ابن كثير (١/ ٢٥٥).
(٦) يظهر من عبارة السخاوي- رحمه الله- التعجب والإنكار من هذا القول، وليس هناك ما يدعو إلى هذا، فقد ذكر الإمام الطبري آثارا كثيرة تدل على هذا المعنى، وأن بعض الصحابة كان يشربها قبل
تحريمها، ثم أنه حصل منهم خلط في الصلاة، فنزلت الآية الكريمة في سورة النساء تنهاهم عن قرب

<<  <  ج: ص:  >  >>