للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه، وليست آية القتال من هذا في شيء، وهذا الحكم باق ولا يجوز أن يسبّ ما يسبّ الله عزّ وجلّ بسببه «١».

العاشر: قوله عزّ وجلّ: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ «٢»، قال «٣» عكرمة، وعطاء، ومكحول: هي منسوخة بقوله عزّ وجلّ: وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ «٤»، وهم لا يسمّون.

ويروى عن أبي الدرداء، وعبادة بن الصامت مثل ذلك (وأجاز أكل) «٥» ذبائح أهل الكتاب وإن لم يذكر عليها اسم الله عزّ وجلّ، وذهب جماعة إلى أن هذه الآية محكمة، ولا يجوز لنا أن نأكل من ذبائحهم إلّا ما ذكر اسم الله عليه، وروى ذلك عن (عليّ) «٦»، وعائشة، وابن عمر- رضي الله عنهم-، وكذلك لو ذبح المسلم ولم يذكر اسم الله لم يؤكل عندهم، إذا تعمّد ذلك، وقال بجواز الأكل جماعة من الأئمة، وتأولوا قوله عزّ وجلّ:

وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ بالميتة، وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ* «٧» أي ما ذكر عليه اسم غير الله عزّ وجلّ، والآية على هذا أيضا محكمة.

وذهب قوم إلى أن قوله عزّ وجلّ: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ: يراد به ما ذبح للأصنام، وآية «المائدة» في ذبائح أهل الكتاب.

فالآيتان محكمتان في حكمين مختلفين، ولا نسخ بينهما «٨».


(١) والحقيقة أن القول بالنسخ هنا ضعيف، وأن قال به من قال ممن سبق ذكرهم، حيث لم يذكروا مستندهم في ذلك، وأيضا فإنه لا تعارض بين ما تحمله الآية في طياتها من النهي عن سب آلهتهم، وبين الأمر بقتالهم، حيث إن الآية التي في الأنعام لا يفهم منها ترك قتالهم، حتى يقال: إنها منسوخة بآية السيف.
قال ابن الجوزي: «ولا أرى هذه الآية منسوخة، بل يكره للإنسان أن يتعرض بما يوجب ذكر معبوده بسوء، أو نبيّه- صلّى الله عليه وسلّم» اه نواسخ القرآن ص ٣٢٩، وراجع تفسير القرطبي ٧/ ٦١.
(٢) الأنعام (١٢١).
(٣) (قال) في الأصل: مكررة.
(٤) المائدة (٥).
(٥) جاءت العبارة في ت ود وظ هكذا: (وأجاز أكل) وفي ظق: (وأجازوا أكل) وهي الصواب.
(٦) اسم (عليّ) ليس في الأصل. وكأن الناسخ أضافه في الحاشية، إلا أنه لم يظهر.
(٧) المائدة (٣). والنحل (١١٥).
(٨) انظر: الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ص ٢٦١.
قال الإمام الطبري- بعد أن ساق الأقوال والأدلة عليها في هذه الآية-: «والصواب من القول في

<<  <  ج: ص:  >  >>