الشيخ أبا بكر الأبهري الفقيه المالكي فلقيه وأخذ بأوفر حظ منه، ودخل مدينة [واسط] واستكثر من لقاء العلماء والفقهاء، وصحب الأخيار والنساك وتألفهم واقتدى بهم، ولبس الصوف، وقنع بالقرص، وتورع جداً، وأعرض عن شهوات الدنيا، فأصبح عالماً عاملاً منقطع القرين، قد جربت منه دعوات مجابة وحفظت له كرامات ظاهرة يطول القول في تعدادها، حملها عنه رواة صدق، ثم انصرف مجيباً دعوة والده أبي الحسام إذ كان لا يزال يستدعيه مع حجاج الأندلس، فقد تدمير في سنة ست أو سبع وثلاثمائة فتنكب أبو عبد الله -رحمه الله - النزول بمدينة مرسية قاعدة تدمير وطنه ونزل خارجاً منها بالقرية المنسوبة إلى بني طاهر.
وكان لا يرى سكنى مرسيه ولا الصلاة في مسجدها الجامع لداخله تتبعها فيه، وابتنى هناك لنفسه بيتاً سقفه بحطب الشعر أو الطرفاء يأوي إليه وكانت له هناك جنينة يعمرها بيده ويقتات بما يتخذه فيها من البقل والثمر.
وكان لا يدع في خلال ذلك الجهاد مع محمد بن أبي عامر وقواده، وشهل معه فتح مدينة سمورة، وفتح مدينة قلمرية، من قواعد جليقية، ثم ترك سكنى قريته هذه ورحل إلى الثغر، وواصل الرباط بفروجه المخوفة.
وكان له بأس وشدة وشجاعة وثقافة تحدث عنه فيها أهل الثغر بحكايات عجيبة، ولم يزل مرابطاً بطلبيرة إلى أن استشهد مقبلاً غير مدبر، حميد المقام وذلك في سنة تسع وسبعين وثلاثمائة أو سنة ثمان قبلها.
وحكى أبو العباس وليد بن عبد الرحمن الفرضي التدميري. قال: سمعت أبا عبد الله