للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأُمْهِلَ أَتَمَّ الْإِمْهَالِ، فَاسْتَبَانَ لِذِي الْعَقْلِ الصَّحِيحِ وَالْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ أَنَّ الظَّعْنَ عَنْ هَذَا الْمَكَانِ ضَرُورِيٌّ، وَالِانْتِقَالَ عَنْهُ حَقٌّ لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَأَنَّ لَهُ مَحَلًّا آخَرَ لَهُ قَدْ أُنْشِئَ وَلِأَجْلِهِ قَدْ خُلِقَ وَلَهُ هُيِّئَ، فَمَصِيرُهُ إِلَيْهِ وَقُدُومُهُ بِلَا رَيْبٍ عَلَيْهِ، وَأَنَّ دَارَهُ هَذِهِ مَنْزِلُ عُبُورٍ، لَا مَنْزِلُ قَرَارٍ.

وَبِالْجُمْلَةِ: مَنْ نَظَرَ فِي الْمَوْجُودَاتِ، وَلَمْ يَقْنَعْ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ إِلَيْهَا وَحْدَهَا: وَجَدَهَا دَالَّةً عَلَى أَنَّ وَرَاءَ هَذِهِ الْحَيَاةِ حَيَاةً أُخْرَى أَكْمَلَ مِنْهَا، وَأَنَّ هَذِهِ الْحَيَاةَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا كَالْمَنَامِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْيَقَظَةِ، وَكَالظِّلِّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّخْصِ، وَسَمِعَهَا كُلَّهَا تُنَادِي بِمَا نَادَى بِهِ رَبُّهَا وَخَالِقُهَا وَفَاطِرُهَا {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: ٥] وَتُنَادِي بِلِسَانِ الْحَالِ، بِمَا نَادَى بِهِ رَبُّهَا بِصَرِيحِ الْمَقَالِ {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} [الكهف: ٤٥] وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: ٢٤] وَقَالَ تَعَالَى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: ٢٠] ثُمَّ نَدَبَهُمْ إِلَى الْمُسَابَقَةِ إِلَى الدَّارِ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ الَّتِي لَا زَوَالَ لَهَا.: فَقَالَ {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: ٢١] .

وَسَمِعَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ مُنْشِدًا يُنْشِدُ عَنْ بَعْضِ الزَّنَادِقَةِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْمُتَطَبِّبُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>