الَّتِي الِاسْتِسْلَامُ لَهَا وَالْمُوَافَقَةُ فِيهَا، وَتَرْكُ مُعَارَضَتِهَا، وَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهَا - هُوَ عَيْنُ الْمَحَبَّةِ وَالْمُوَالَاةِ.
وَأَمَّا الْفَنَاءُ بِمُرَادِ رَبِّهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَحْمُودَ مِنْهُ هُوَ ذَلِكَ الْفَنَاءُ بِمُرَادِهِ الدِّينِيِّ الْأَمْرِيِّ، لَا الْكَوْنِيِّ الْقَدَرِيِّ. فَإِنَّ الْكَوْنَ كُلَّهُ مُرَادُهُ الْقَدَرِيُّ خَيْرُهُ وَشَرُّهُ.
وَأَمَّا تَعَلُّقُ الرَّجَاءِ بِمُرَادِهِ دُونَ مُرَادِ سَيِّدِهِ فَهُوَ إِنَّمَا عَلَّقَهُ بِمُرَادِهِ الْمَحْبُوبِ لَهُ، هَارِبًا مِنْ مُرَادِهِ الْمَسْخُوطِ الْمَكْرُوهِ لَهُ. وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَحْبُوبًا لَهُ - إِذَا كَانَ انْتِقَامًا - فَالْعَفْوُ وَالْفَضْلُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْهُ. فَهُوَ إِنَّمَا عَلَّقَ رَجَاءَهُ بِأَحَبِّ الْمُرَادَيْنِ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا كَوْنُ الرَّجَاءِ اعْتِرَاضًا عَلَى مَا سَبَقَ بِهِ الْحُكْمُ: فَلَيْسَ كَذَلِكَ. بَلْ تَعَلُّقًا بِمَا سَبَقَ بِهِ الْحُكْمُ. فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَرْجُو فَضْلًا وَإِحْسَانًا، وَرَحْمَةً سَبَقَ بِهَا الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ، وَجَعَلَ الرَّجَاءَ أَحَدَ أَسْبَابِ حُصُولِهَا. فَلَيْسَ الرَّجَاءُ اعْتِرَاضًا عَلَى الْقَدَرِ، وَلَا مُعَارَضَةً لِلْقَدَرِ. بَلْ طَلَبًا لِمَا سَبَقَ بِهِ الْقَدَرُ.
وَأَمَّا اعْتِرَاضُهُ إِذَا لَمْ يَحْصُلُ لَهُ مَرْجُوُّهُ فَهَذَا نَقْصٌ فِي الْعُبُودِيَّةِ، وَجَهْلٌ بِحَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ. فَإِنَّ الرَّاجِي وَالدَّاعِي يَرْجُو وَيَدْعُو فَضْلًا لَا يَسْتَحِقُّهُ، وَلَا يَسْتَوْجِبُهُ بِمُعَاوَضَةٍ. فَإِنْ أُعْطِيَهُ فَمَحْضُ الْمِنَّةِ وَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ مُنِعَهُ فَلَمْ يُمْنَعْ حَقًّا هُوَ لَهُ. فَاعْتِرَاضُهُ رُعُونَةٌ وَجَهَالَةٌ. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ فَوَاتِ الْمَرْجُوِّ، أَوْ عَدَمِ حُصُولِ الْمَدْعُوِّ بِهِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ الصَّادِقِ، مُعَارَضَةٌ وَلَا اعْتِرَاضٌ.
وَقَدْ سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ثَلَاثَ خِصَالٍ لِأُمَّتِهِ. فَأَعْطَاهُ اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَهُ وَاحِدَةً. فَرَضِيَ بِمَا أَعْطَاهُ. وَلَمْ يَعْتَرِضْ فِيمَا مَنَعَهُ بَلْ رَضِيَ وَسَلَّمَ.
وَأَمَّا كَوْنُ الرَّجَاءِ وُقُوفًا مَعَ الْحَظِّ، وَأَصْحَابِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ قَدْ خَرَجُوا عَنْ نُفُوسِهِمْ فَكَيْفَ حُظُوظُهُمْ؟
فَيَا لَلَّهِ الْعَجَبُ! أَيُّ رُعُونَةٍ فِيمَنْ يَجْعَلُ رَجَاءَ الْعَبْدِ رَبَّهُ، وَطَمَعَهُ فِي بِرِّهِ وَإِحْسَانِهِ وَفَضْلِهِ، وَسُؤَالَهُ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ؟ فَإِنَّ الرَّجَاءَ هُوَ اسْتِشْرَافُ الْقَلْبِ لِنَيْلِ مَا يَرْجُوهُ. فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ دَائِمًا مُسْتَشْرِفًا بِقَلْبِهِ، سَائِلًا بِلِسَانِهِ، طَالِبًا لِفَضْلِ رَبِّهِ. فَأَيُّ رُعُونَةٍ هَاهُنَا؟ وَهَلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute