بفاتحة الكتاب، فوجوب العمل به يوجب القول بفساد تلك الصلاة وهو المطلوب، فالحق أن الحديث يفيد بطلان الصلاة إذا لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب- انتهى. واعلم أنه قد تأول بعض الحنفية رواية الدارقطني المذكورة بأن المراد نفي الأجزاء الكاملة. قال القاري: هو محمول على الأجزاء الكاملة. وقال الشيخ محمد أنور: لم لا يجوز أن يكون المراد من نفي الإجزاء نفي كمال الإجزاء كما في قوله: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان. عند البخاري في الجهاد وفي المغازي من حديث سهل بن سعد قال: ليجعله نظيراً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تجزئ صلاة من لم يقرأ بفاتحة الكتاب. قلت: حمل الإجزاء في رواية الدارقطني على الإجزاء الكامل تحكم صريح، وإدعاء محض، وتعصب بحت، بل هو تحريف للحديث؛ لأنه ليس بعد الإجزاء إلا البطلان، فلا جوز حمله على نفي كمال الإجزاء، ولا يصح أن يجعل قول القائل:"ما أجزأ منا اليوم أحد" الخ. في حديث سهل نظيرة لما في رواية الدارقطني؛ لأن قوله:"كما أجزأ فلان" قرينة صريحة على أن المراد بنفي الإجزاء فيه نفي إجزاء مخصوص، أي إجزاء يشبه إجزاء فلان، لا نفي الإجزاء رأساً، بخلاف رواية الدارقطني فإنه ليس فيها شيء يشير إلى حمله على الإجزاء المخصوص، بل فيها نفي الإجزاء مطلقاً من غير تقييد وتخصيص فحمله على الإجزاء الكامل تحكم محض ليس عليه آثارة من علم فهو مردود على قائله. تنبيه: قد تقدم أن مذهب الحنفية أن قراءة الفاتحة ليست بفرض بل هي واجبة. قالوا: الفرض عندنا مطلق القرآن لقوله تعالى: {فاقرؤا ما تيسر من القرآن}[٧٣: ٢٠] . فقد أمر الله تعالى بقراءة ما تيسر من القرآن مطلقاً، وتقييده بالفاتحة بالسنة زيادة على النص القرآني، وذا لا يجوز؛ لأنه نسخ فعملنا بالكتاب والسنة فقلنا: إن أدنى ما يطلق عليه القرآن فرض لكونه مأموراً به، وقراءة الفاتحة واجبة يأثم من يتركها، وتجزأ الصلاة بدونها ولا تفسد وأجاب عنه شيخنا في شرح الترمذي: بأن إثبات فريضة مطلق القرآن بهذه الآية مبني على أن المراد من قوله تعالى: {فاقرؤا} قراءة القرآن بعينها وهو ليس بمتفق عليه بل فيه قولان. قال الرازي في تفسيره. (ج٨: ص٣٤٥) : فيه قولان: الأول أن المراد من هذه القراءة الصلاة، أي فصلوا ما تيسر عليكم. والقول الثاني: أن المراد قراءة القرآن بعينها- انتهى. وهكذا في عامة كتب التفسير، والقول الثاني فيه بُعد عن مقتضى السياق. قال الشيخ الآلوسي البغدادي في تفسيره. (ج٩: ص٢٠٩) : أي فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل، عبر عن الصلاة بالقراءة كما عبر عنها بسائر أركانها. وقيل: الكلام على حقيقته من طلب قراءة القرآن بعينها، وفيه بُعد عن مقتضى الساق – انتهى كلامه. فلما ظهر أن في قوله تعالى:{فاقرؤا ما تيسر من القرآن}[٧٣: ٢٠] القولين المذكورين، وأن القول الثاني فيه بُعد، لاح لك أن الاستدلال به على فريضة مطلق القراءة غير صحيح، ولو سلمنا أن المراد هو القول الثاني أعني قراءة القرآن بعينها فحديث الباب مشهور بل متواتر، قال الإمام البخاري في جزء القراءة (ص٤) : تواتر الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا صلاة إلا بقراءة أم القرآن. والزيادة بالحديث المشهور جائز عند الحنفية. على أن قوله تعالى:{فاقرؤا ما تيسر من القرآن} عام مخصوص منه البعض فهو ظني، فلا يدل على فرضية مطلق القراءة، ويجوز تخصيصه ولو بالآحاد. قال الملاجيون في تفسيره. () :