ثم أقل القراءة فرضاً عندنا آية واحدة طويلة كآية الكرسي وغيرها، أو ثلاث آيات قصيرة كـ {مدهامتان} ، وهذا هو الأصح. وقيل: إنه واحدة، طويلة كانت أو قصيرة، وذلك مما لا يعتد به، ينادي عليه كتب الفقه. وعلى كل تقدير يكون ما دون الآية مخصوصاً من هذا العام، فيكون العام ظنياً، فينبغي أن لا يدل على فرضية القراءة، وأن يعارضه الحديث حجة للشافعي_انتهى كلامه. وأما ما قيل: من أن ما دون الآية لا يسمى قراءة القرآن عرفاً، والعرف قاض على الحقيقة اللغوية فهذا دعوى لا دليل عليها، ويلزم أن يكون {مدهامتان}[٥٥: ٦٤] التي هي كلمة واحدة قراءة القرآن، ولا يكون أكثر آية المداينة التي هي كلمات كثيرة قراءة القرآن، وهذا كما ترى، وأيضاً يلزم منها أنه لو قرأ أحد نصف آية المداينة في الصلاة لا تجوز، وعامة الحنفية على جوازها. قال ابن الهمام في فتح القدير: ولو قرأ نصف آية المداينة قيل: لا يجوز لعدم الآية، وعامتهم على الجواز- انتهى. قلت: وقد رد أيضاً الشيخ محمد أنور استدلال الحنفية بقوله: {فاقرؤا ما تيسر من القرآن} على فرضية مطلق القرآن حيث قال: ما زعمه الحنفية من أن المراد من النص أي قوله تعالى: {فاقرؤا ما تيسر من القرآن} القراءة مطلقاً ولو بآية مرجوح، لأن المراد منه ما تفعله الأمة الآن أي الفاتحة مع السورة، وإلا يلزم حمل القرآن على الكراهة ودرجها في النظم، نعم كون هذا المراد مراداً بالنص ظني، ولذا كانت قراءة الفاتحة مع السورة واجبة. وقال: إن الله تعالى لما علم الاستثقال عليه في القيام بالليل رخص لهم أن لا يطولوه كما كانوا يفعلونه في الليل كله أو أكثره، بل لهم أن يقوموه حسب ما تيسر لهم فهذا تيسير في حصص الليل لا في الفاتحة كما فهموه –انتهى. تنبيه آخر: قد استدل بحديث عبادة على فرضية قراءة الفاتحة على المقتدي، وهو استدلال صحيح لأن لفظ:"من" فيه من ألفاظ العموم فهو شامل للمأموم قطعاً كما هو شامل للإمام والمنفرد، ولم يرد دليل على تخصيصه بمصل دون مصل. قال ابن عبد البر في التمهيد: وقال آخرون: لا يترك أحد من المأمومين قراءة فاتحة الكتاب فيما جهر الإمام بالقراءة، لأن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" عام لا يخصه شيء، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يخص بقوله ذلك مصلياً من مصل-انتهى. وقال الكرماني في شرح صحيح البخاري: وفي الحديث دليل على أن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمنفرد والمأموم في الصلوات كلها-انتهى. ولأن لفظ صلاة في قوله:"لا صلاة" عام فيشمل كل صلاة فرضاً كانا أو نفلاً، سرية كانت أو جهرية، صلاة الإمام كانت أو صلاة المأموم أو صلاة المنفرد. قال الحافظ في الفتح تحت حديث عبادة: واستدل به على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم سوى أسر الإمام أم جهر؛ لأن صلاته صلاة حقيقة فتنتفي عند انتفاء القراءة-انتهى. وتخصيص من خص هذا الحديث بالإمام والمنفرد مما لا يلتفت إليه؛ لأن لا دليل على هذا التخصيص لا من كتاب ولا من سنة، وقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يخص إلا بدليل من الكتاب والسنة، ولا يجوز تخصيصه بقول أحد كائناً من كان. قال الخطابي بعد ذكر ما رواه أبوداود عن عبادة يبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعداً. قال سفيان لمن يصلي وحده