ويسمعنا الآية أحيانا، ويطول في الركعة الأولى ما لا يطيل في الركعة الثانية،
ــ
أحمد. وعند الحنفية فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أن ضم السورة يوجب سجدة السهو. والثاني: أنه لا يوجب لكن يكره. والثالث: أنه لا يسن ولا يكره. وهو قول فخر الإسلام، وحقق الشامي أنه لو زاد على الفاتحة يكون خلاف الأفضل. (ويسمعنا الآية) من الإسماع أي يقرأ بحيث تسمع الآية من جملة ما يقرأ. وللنسائي من حديث البراء: كنا نصلي خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر فنسمع منه الآية بعد الآية من سورة لقمان والذاريات. ولابن خزيمة من حديث أنس نحوه، لكن قال: بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية. وهذه الأحاديث دليل على أنه لا يجب الإسرار في السرية، وأن الجهر بالشيء اليسير من الآيات في الصلاة السرية جائز مغتفر لا يوجب سهواً يقتضي السجود. واختلف الحنفية في وجوب سجدة السهو إذا جهر في السرية، فقيل: تجب ولو بكلمة، وقيل بآياته تامة، وقيل بأكثر من الآية، وأحاديث الباب ترد هذه الأقوال كلها سواء. قلنا: كان يفعل ذلك عمداً لبيان الجواز كما هو الظاهر من لفظ الإسماع، أو بغير قصد للاستغراق في التدبر، أو ليعلمهم أنه يقرأ، أو يقرأ سورة كذا ليتأسوا به. واعلم أن الجهر في مواضع الجهر والإسرار في مواضع الإسرار في الجهرية، والإسرار في السرية سنة عند الشافعي وأحمد، فإن فعل خلاف ذلك، أي جهر فيما يسر فيه، أو أسر فيما يجهر فيه كره ذلك، وأجزأه، وتمت صلاته، ولا سجود سهو فيه. وهو قول الظاهرية، وهو الحق. والدليل على ذلك أن الجهر فيما يجهر فيه، والإسرار فيما يسر فيه إنما هما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليسا أمراً منه، وأفعاله- عليه السلام - على الإتساء، لا على الوجوب، وإنما كره خلاف ذلك لأن الجمهور من فعله- عليه السلام -كان الجهر في الجهرية، والإسرار في السرية، ولا سجود سهو في ذلك، لحديث أبي قتادة، وحديث البراء وأنس، وما أبيح تعمد فعله أو تركه فلا سهو فيه؛ لأنه فعل ما هو مباح له، ولم يقم دليل على وجوب الجهر في الجهرية، والإسرار في السرية، لا من كتاب ولا من سنة، وقد اعترف بذلك بعض العلماء الحنفية حيث قال: هو سنة عند الجمهور، وواجب عندنا. ولا دليل له عندي-انتهى. وحكم المنفرد كحكم الإمام، فيسن له أيضاً الجهر عند الشافعي، وظاهر كلام أحمد أنه يخير، وكذلك من فاته بعض الصلاة فقام ليقضيه قال أحمد: إنما الجهر للجماعة. (أحياناً) أي في أحيان جمع حين، وهو يدل على تكرر ذلك منه - صلى الله عليه وسلم -. وفيه دليل على جواز أن يخبر الإنسان بالظن، وإلا فمعرفة القراءة بالسورة في السرية لا طريق فيه إلى القين، وإسماع الآية أحياناً لا يدل على قراءة كل السورة، وإنما يفيد يقين ذلك لو كان في الجهرية، وكأنه أخذ من سماع بعضها مع قيام القرينة على قراءة باقيها، ولو كانوا يعلمون قراءة السورتين بخبر عنه - صلى الله عليه وسلم - عقب الصلاة دائماً أو غالباً لذكروه. (ويطول) بالتشديد من التطويل. (في الركعة الأولى) أي يجعل السورة فيها أطول من التي في الثانية؛ لأن النشاط في الأولى يكون أكثر فناسب التخفيف في الثانية حذراً من الملل، وأيضاً ليدركها الناس كما صرح به راوي الحديث عند أبي داود، وابن خزيمة: فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى. (ما لا يطيل في الركعة الثانية)