لأن تأمين الإمام لو كان مشروعاً بالجهر لما علق النبي - صلى الله عليه وسلم - تأمينهم بقوله:{ولا الضالين} قالوا: ويؤيد ما قلنا من أنه يستفاد منه أن الإمام لا يجهر بآمين ما رواه أحمد، والدارمي، والنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعاً: إذا قال الإمام: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا: آمين، فإن الملائكة تقول: آمين، وإن الإمام يقول: آمين- الحديث: فإن قوله: "وإن الإمام يقول، آمين" يدل على أن الإمام يقولها سراً، وإلا لا يبقى لهذا القول فائدة. والجواب: أنه علق النبي - صلى الله عليه وسلم - تأمينهم بتأمين الإمام كما تقدم من حديث أبي هريرة بلفظ: إذا أمن الإمام فأمنوا، وهو أصح الروايات وأشهرها في حديث أبي هريرة، فهو الأصل. والمعنى: إذا قال الإمام آمين، فقولوا: آمين، وهذا هو المراد بقوله: إذا قال: ولا الضالين فقولوا: آمين. فإن المراد به إذا قال: ولا الضالين، وقال: آمين، فقولوا: آمين مع تأمينه، لأن الروايات يفسر بعضها بعضاً. ومعية الإمام في التأمين على سبيل اليقين لا تكون إلا إذا جهر بالتأمين كما تقدم. وأما قوله: إن الإمام يقول آمين، فهو بيان للواقع لا لإعلامهم بأن الإمام يقول: آمين، حتى يدل على الإسرار، بل كانوا يسمعونها منه حين يجهر بها كما ورد في الروايات السابقة الصحيحة، ومقصوده - صلى الله عليه وسلم - عنه ترغيبهم في موافقة الإمام في التأمين في الزمان، أي كما أن الإمام يقول: آمين، فقولوا أنتم أيضاً لتوافقوه فيها. واستدلوا أيضاً بأثر عمر، وعلي، روى الطحاوي وابن جرير عن أبي وائل، قال: كان عمر وعلي لا يجهران ببسم الله الرحمن الرحيم، ولا بالتعوذ، ولا بآمين. والجواب: أن هذا الأثر ضعيف جداً، فإن في سنده سعيد بن المرزبان البقال، وقد تركه الفلاس، وقال ابن معين: لا يكتب حديثه. وقال البخاري: منكر الحديث. ونقل ابن القطان أن البخاري قال: كل من قلت فيه: منكر الحديث، فلا تحل الرواية عنه. كذا في الميزان للذهبي. واستدلوا أيضاً بقول إبراهيم النخعي: خمس يخفيهن الإمام: سبحانك اللهم وبحمدك، والتعوذ، وبسم الله الرحمن الرحيم، وآمين، واللهم ربنا لك الحمد. رواه عبد الرزاق. والجواب: أن قول إبراهيم النخعي هذا مخالف للأحاديث الصحيحة فلا عبرة به. قال الشيخ عبد الحي اللكنوي في السعاية: أما أثر النخعي ونحوه فلا يوازي الروايات المرفوعة-انتهى. وأجاب الحنفية عن أحاديث الجهر بوجوه: منها: الكلام فيها سنداً ومعنى كما صنعه النيموي في "آثار السنن". وقد رد عليه شيخنا في "أبكار المنن" رداً حسناً وأجاب عن كل ما أورد النيموي على هذه الأحاديث بما لا مزيد عليه، فعليك أن ترجع إليه. ومنها: أن آمين دعاء، والأصل في الدعاء الإخفاء لقوله تعالى:{ادعوا ربكم تضرعا وخفية}[٧: ٥٥] ، فعند التعارض يرجح الإخفاء بذلك. وفيه: أنه لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - الإسرار بالتأمين أصلاً كما تقدم، فدعوى التعارض باطلة. ثم لا نسلم أن "آمين" دعاء بل نقول: إنها كالطابع والخاتم للدعاء كما في حديث أبي زهير النميري عند أبي داود: أن "آمين" مثل الطابع على الصحيفة، ثم ذكر قوله - صلى الله عليه وسلم -: إن ختم بآمين فقد أوجب. ولو سلم أن "آمين" دعاء فنقول: إنها ليست بدعاء مستقل بالأصالة بل