للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثم يسجد ويقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم)) . رواه مسلم.

٨٧٨- (٤) وعن عائشة، رضي الله عنها، قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول

ــ

أوقع عليه الغلط ووقف سهواً – انتهى. قيل: ويحتمل أن يكون معناه: نسى وجوب الهوى إلى السجود، أو نسى أنه في صلاة، أو ظن أنه وقت القنوت حيث كان معتدلاً، أو وقت التشهد حيث كان جالسا. ويؤيد التفسير بالنسيان التصريح به في الرواية الأخرى كما سنذكرها. (يقعد بين السجدتين) أي يطيل القعود بينهما. (حتى نقول: قد أوهم) أي نظن أنه أسقط السجدة الثانية. والحديث نص صريح في تطويل الاعتدال والجلوس بين السجدتين. وقد ترك الشافعية والحنفية هذه السنة الثابتة بالأحاديث الصحيحة من عالم، وفقيه، وإمام، ومنفرد، وصغير، وكبير، والأعظم من ذلك أنهم إذا رأوا من يطيل الاعتدال من الركوع والجلوس بين السجدتين شغبوا عليه، وجهلوه، وسفهوه، وتركوا الاقتداء به. قال بعض الحنفية معتذرا عن أمثال هذا الحديث: إن فيها مبالغة الراوي. قلت: قال شيخنا رداً عليه: كلا، ثم كلا، فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا لا يبالغون من عند أنفسهم في وصف صلاته، وحكاية أفعاله في الصلاة وغيرها، ولا يقصرون بل يحكون على حسب ما يرون، فحمله على مبالغة الراوي باطل مردود عليه. وحمل بعضهم حديث أنس على ابتداء الأمر حين كان يطول صلاته، قال: ثم أمر بالتخفيف بعده. وهذا ادعاء محض لا دليل على كون ما في هذا الحديث حكاية لابتداء الأمر فلا يلتفت إليه. وقال بعضهم: كانت هذه الإطالة في صلاة النافلة. وهذا الحمل أيضاً يحتاج إلى دليل، ولا دليل على ذلك، بل يرده إطلاق ما روي عن ثابت، قال: كان أنس ينعت لنا صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان يصلي، فإذا رفع رأسه من الركوع قام حتى نقول: قد نسي، أخرجه البخاري. وقال بعضهم: لم يذكر هذه الصفة إلا أنس من بين الصحابة الذين رووا صفة صلاته. وفيه: أنه لم يتفرد بذلك أنس، بل وافقه البراء وحذيفة كما تقدم. ولو سلم أنه لم يذكر هذه الصفة غير أنس، لا يضر من قال بمشروعيتها، فكم من صفة من صفات الصلاة تفرد بذكرها بعض الصحابة وقد أخذها الأئمة وعملوا بها وعدوها من سنن الصلاة. وقال بعضهم: فعله في الفرائض أحياناً لبيان الجواز، ولفظه "كان" للرابطة، لا لبيان المواظبة. قلت: لا مانع من حملها على التكرار، فالظاهر أن حاله - صلى الله عليه وسلم - كان مختلفا، فتارة كان يطيل، وتارة كان يخفف. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أبوداود، وأخرج الشيخان عن ثابت، عن أنس، قال: إني لا آلو أن أصلي بكم كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بنا. قال ثابت: فكان أنس يصنع شيئاً لا أراكم تصنعوه، وكان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائماً حتى يقول القائل: قد نسى، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي.

٨٧٨- قوله: (يكثر) من الإكثار. (أن يقول) قد ورد في رواية البخاري في التفسير بيان ابتداء هذا الفعل.

<<  <  ج: ص:  >  >>