للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أنت كما أثنيت على نفسك)) رواه مسلم.

٩٠١- (٨) وعن أبي هريرة، قال: ((قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أقرب ما يكون العبد من ربه

ــ

وروي عن مالك، أنه قال: لا أحصى نعمتك، وإحسانك، والثناء بها عليك، وإن اجتهدت في ذلك، والأول أولى لما ذكرناه، ولقوله في الحديث: أنت كما أثنيت على نفسك. ومعنى ذلك اعتراف بالعجز عندما ظهر له من صفات جلاله تعالى، وكماله، وصمديته، وقدوسيته، وعظمته، وكبريائه، وجبروته، مالا ينتهي إلى عده، ولا يوصل إلى حده، ولا يحمله عقل، ولا يحيط به فكر، وعند الانتهاء إلى هذا المقام انتهت معرفة الأنام. وقال الجزري في النهاية: بدأ في هذا الحديث بالرضا، وفي رواية بدأ بالمعافاة ثم بالرضا، وإنما ابتدأ بالمعافاة من العقوبة؛ لأنها من صفات الأفعال كالإحياء والإماتة، والرضا والسخط من صفات الذات، وصفات الأفعال أدنى مرتبة من صفات الذات، فبدأ بالأدنى مترقياً إلى الأعلى، ثم لما ازداد يقيناً وارتقاء ترك الصفات وقصر نظره على الذات، فقال: "وأعوذ بك منك". ثم لما ازداد قربا استحيى معه من الاستعاذة على بساط القرب، فالتجأ إلى الثناء فقال: لا أحصي ثناء عليك، ثم علم أن ذلك قصور، فقال: أنت كما أثنيت على نفسك، وأما على الرواية الأولى فإنما قدم الاستعاذة بالرضا من السخط؛ لأن المعافاة من العقوبة تحصل بحصول الرضا، وإنما ذكرها لأن دلالة الأول عليها دلالة تضمن، فأراد أن يدل عليها دلالة مطابقة، فكنى عنها أولاً، ثم صرح بها ثانياً، ولأن الراضي قد يعاقب للمصلحة أو لاستيفاء حق الغير- انتهى. . (أنت كما أثنيت على نفسك) أي أنت الذي أثنيت على ذلك ثناء يليق بك، فمن يقدر على أداء حق ثنائك؟ فالكاف زائدة، والخطاب في عائد الموصول بملاحظة المعنى نحو: أنا الذي سمتني أمي حيدرة. ويحتمل أن الكاف بمعنى "على" والعائد إلى الموصول محذوف، أي أنت ثابت دائم على الأوصاف الجليلة التي أثنيت بها على نفسك. والجملة على الوجهين في موضع التعليل، وفيه إطلاق لفظ النفس على ذاته تعالى بلا مشاكلة. وقيل: "أنت" تأكيد المجرور في "عليك" فهو من استعارة المرفوع المتصل موضع المجرور المنفصل، إذ لا منفصل في المجرور، و"ما" في "كما" مصدرية، والكاف بمعنى مثل صفة ثناء، ويحتمل أن يكون ما على هذا التقدير موصولة أو موصوفة، والتقدير: مثل ثناء أثنيته، أو مثل الثناء الذي أثنيته، على أن العائد المقدر ضمير المصدر، ونصبه على كونه مفعولاً مطلقاً، وإضافة المثل إلى المعرفة لا يضر في كونه صفة نكرة؛ لأنه متوغل في الإبهام فلا يتعرف بالإضافة. وقيل: أصله ثناءك المستحق كثنائك على نفسك، فحذف المضاف من المبتدأ فصار الضمير المرفوع مجروراً. قال الخطابي: معنى الحديث الاستغفار من التقصير من بلوغ الواجب من حق عبادته والثناء عليه. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً الترمذي في الدعوات، وأبوداود، والنسائي في الصلاة، وابن ماجه في الدعاء.

٩٠١- قوله: (أقرب ما يكون العبد من ربه) الظاهر أن "ما" مصدرية و"كان" تامة والجار متعلق بأقرب،

<<  <  ج: ص:  >  >>