٩٠٢- (٩) وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قرأ ابن آدم السجدة،
ــ
وليست من تفضيلية، والمعنى شاهد كذلك، فلا يرد أن اسم التفضيل لا يستعمل إلا بأحد أمور ثلاثة لا بأمرين كالإضافة ومن، فكيف استعمل ههنا بأمرين؟ فافهم. وخبر "أقرب" محذوف أي "حاصل له" وجملة "وهو ساجد" حال من ضمير "حاصل" أو من ضمير "له". والمعنى: أقرب أكوان العبد من ربه تبارك وتعالى حاصل له حين كونه ساجداً. ولا يرد على الأول أن الحال لابد أن يرتبط بصاحبه، ولا ارتباط ههنا؛ لأن ضمير "هو ساجد" للعبد لا لأقرب؛ لأنا نقول: يكفي في الارتباط وجود الواو من غير حاجة إلى الضمير، مثل: جاء زيد والشمس طالعة. وقال الطيبي: التركيب من الإسناد المجازي، أسند القرب إلى الوقت، وهو للعبد مبالغة، فإن قلت: أين المفضل عليه، ومتعلق أفعل في الحديث؟ قلت: محذوف، وتقديره: إن للعبد حالتين في العبادة: حال كونه ساجداً لله تعالى، وحال كونه متلبساً بغير السجود، فهو في حالة السجود أقرب إلى ربه من نفسه في غير تلك الحالة- انتهى. قيل وجه الأقربية أن العبد في السجود داع؛ لأنه أمر به، والله تعالى قريب من السائلين بقوله تعالى:{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب}[٢: ١٨٦] ؛ ولأن السجود غاية في الذل، والانكسار، وتعفير الوجه، وهذه الحالة أحب أحوال العبد كما رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن عن ابن مسعود، ولأن السجود أول عبادة أمر الله تعالى بها بعد خلق آدم، فالمتقرب بها أقرب، ولأن فيه مخالفة لإبليس في أول ذنب عصى الله به. وقيل: لأن العبد بقدر ما يبعد عن نفسه يقرب من ربه، والسجود غاية التواضع، وترك التكبر، وكسر النفس؛ لأنها لا تأمر الرجل بالمذلة، ولا ترضى بها، ولا بالتواضع، بل بخلاف ذلك، فإذا سجد فقد خالف نفسه، وباعد عنها، فإذا باعد عنها قرب من ربه. قال القرطبي: هذا أقرب بالرتبة، والمكانة، والكرامة، لا بالمسافة والمساحة؛ لأنه تعالى منزه عن المكان والزمان. (فأكثروا الدعاء) أي في السجود؛ لأنه حالة قرب، وحالة قرب مقبول دعاءها؛ لأن السيد يحب عبده الذي يطيعه، ويتواضع له، ويقبل منه ما يقوله، وما يسأله. وقال ابن الملك: وهذا لأن حالة السجود تدل على غاية تذلل، واعتراف عبودية نفسه وربوبية ربه، فكان مظنه الإجابة، فأمرهم بإكثار الدعاء في السجود. والحديث يدل على مشروعية الاستكثار من السجود، ومن الدعاء فيه، ولا دليل فيه لمن قال: إن السجود أفضل من القيام؛ لأنه لا يلزم من كون العبد أقرب إلى ربه حال سجوده أفضليته على القيام؛ لأن ذلك إنما هو باعتبار إجابة الدعاء. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد، وأبوداود، والنسائي.
٩٠٢- قوله:(إذا قرأ ابن آدم) ذكر تلميحاً لقصة أبيه آدم مع الشيطان التي هي سبب العداوة بينهما. (السجدة)