للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لكونه وصفه بالرسالة في آخر التشهد وإن كان الرسول البشري يستلزم النبوة، لكن التصريح بهما أبلغ. والحكمة في تقديم الوصف بالنبوة أنها كذلك وجدت في الخارج لنزول قوله: {اقرأ باسم ربك} [٩٦: ١] قبل قوله {يا أيها المدثر قم فأنذر} [٧٤: ١، ٢] . واعلم أن الأحاديث المرفوعة كلها متفقة على قوله في التشهد "السلام عليك أيها النبي" أي على لفظ الخطاب وحرف النداء، نعم ترك بعض الصحابة كابن مسعود وغيره الخطاب بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم -، ففرقوا بين حياته - عليه السلام - ووفاته، وقالوا "السلام على النبي" كما عند البخاري في الإستيذان، وأبي عوانة في صحيحه، والسراج والجوزقي وأبي نعيم الأصبهاني والبيهقي وعبد الرزاق، لكن جمهور الصحابة والتابعين وغيرهم من المحدثين والفقهاء مطبقون على التشهد المرفوع المروى بصيغة الخطاب والنداء، أي على عدم المغايرة بين زمانه - صلى الله عليه وسلم - وما بعده، وعلى هذا فلا بد من بيان توجيه الخطاب؛ لأنه يرد عليه أنه كيف شرع هذا اللفظ وهو خطاب بشر مع كونه منهياً عنه في الصلاة؟ والجواب أن ذلك من خصائصه - عليه السلام -، فإن قيل: ما الحكمة في العدول عن الغيبة إلى الخطاب مع أن لفظ الغيبة هو الذي يقتضيه السياق؟ كأن يقول "السلام على النبي" فينتقل من تحية الله إلى تحية النبي، ثم إلى تحية النفس، ثم إلى تحية الصالحين. أجاب الطيبي مما محصله: نحن نتبع لفظ الرسول بعينه الذي كان علمه الصحابة. وقال ابن الملك: روى أنه - صلى الله عليه وسلم - لما عرج به أثنى على الله تعالى بهذه الكلمات، فقال الله تعالى: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقال عليه السلام: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقال جبريل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله-انتهى. قال القاري: وبه يظهر وجه الخطاب، وأنه على حكاية معراجه – عليه السلام – في آخر الصلاة التي هي معراج المؤمنين – انتهى. وقال في "مسك الختام" في شرح " بلوغ المرام" بالفارسية ما معربه: ووجه الخطاب إبقاء هذا الكلام على ما كان في الأصل، فإن ليلة المعراج قد خاطب الله تعالى رسوله بالسلام، فأبقاه النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت تعليم الأمة على ذلك الأصل، ليكون ذك مذكراً لتلك الحال-انتهى. وتمام بيان القصة مع شرح ألفاظ التشهد في الإمداد كذا في رد المختار. وهذا المروي لم أقف على سنده، فإن كان ثابتاً فنعم التوجيه هذا، لكن يقصد على هذا التوجيه بألفاظ التشهد معانيها مرادة له على وجه الإنشاء كأنه يحيى الله تعالى ويسلم على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وعلى نفسه، وأولياءه، ولا يقصد مجرد الإخبار والحكاية عما وقع في المعراج عنه - صلى الله عليه وسلم -. وقد ظهر بما ذكرنا عدم صحة استدلال القبوريين بصورة النداء والخطاب في التشهد على حضوره - صلى الله عليه وسلم - في كل موضع، وعلى جواز ندائه في غير التشهد، وهذا لأن كون النداء فيه نداء حقيقياً ممنوع، فإنه ليس فيه طلب شئ، بل هو نداء مجازي يطلب به استحضار المنادي في القلب فيخاطب المشهود بالقلب. قال الإمام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: وقوله: يا محمد! يا نبي الله! هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادى في القلب فيخاطب المشهود بالقلب كما يقول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته،

<<  <  ج: ص:  >  >>