ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عبد الله الصالحين – فانه إذا قال ذلك أصاب كل عبد صالح
ــ
والإنسان يفعل مثل هذا كثيراً يخاطب من يتصوره في نفسه وإن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب-انتهى. وعلى هذا فليس هذا النداء مما يدعيه هؤلاء القبوريون. وقال بعض شيوخ مشائخنا ما حاصله: أن تشهده - صلى الله عليه وسلم - كان مثل ما علم الأمة، فكان - عليه السلام - يقول في التشهد "السلام عليك أيها النبي" كما أمر به الأمة، كما هو مصرح في حديث عبد الله بن الزبير عند الطحاوي، والبزار، والطبراني، وفي حديث ابن مسعود عند أحمد والطبراني. قال الزرقاني في شرح المواهب نقلاً عن النووي بعد ذكر ألفاظ التشهد ما نصه: وفي هذا فائدة حسنة، وهي أن تشهده - عليه السلام - بلفظ تشهدنا- انتهى. ومن المعلوم أن التشهد المروي في الأحاديث عام للحاضرين من الصحابة، وللغائبين والموجودين في زمنه - صلى الله عليه وسلم -، ولمن جاء بعده، إذا الخطاب في قوله:"إذا صلى أحدكم" وقوله: "ولكن قولوا" يشمل الحاضرين والغائبين، والموجودين، والمعدومين الكائنين إلى يوم القيامة مثل سائر الخطابات الواردة في الوضوء، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وغير ذلك، وليس هناك حديث يدل على أن للغائبين والمعدومين تشهداً آخر غير هذا التشهد، وأيضاً علمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - التشهد هكذا بلفظ الخطاب والنداء بدون التفريق بين الحاضرين منهم والغائبين عنه مع أن الصحابة كانوا يغيبون عنه - صلى الله عليه وسلم - في الغزوات، والسرايا، وغير ذلك من الأسفار، ولا يغايرون بين الحضور عنده والغيبة عنه، ولم يثبت ما تقدم من حكاية المعراج، فهذا كله يدل على أن ذلك مما لم نؤت علمه فينبغي لنا أن لا نبحث فيه، ونكل أمره إلى الله، قال الله تعالى:{ولا تقف ما ليس لك به علم}[١٧: ٣٦] ، وإذا يكون هذا الخطاب معدولاً عن العقل والقياس، فيكون مقصوراً على مورده، فلا يقتضى هذا الخطاب جواز خطابه - صلى الله عليه وسلم - ونداءه في غير تشهد الصلاة- انتهى. (ورحمة الله) أي إحسانه. (وبركاته) جمع بركة، أي زيادة من كل خير. (السلام) أي الذي وجه إلى الأمم السالفة من الصلحاء. (علينا) أي محشر الحاضرين، يريد به نفسه، والحاضرين من الإمام، والمأمومين، والملائكة، والجن، وفيه استحباب البداءة بالنفس في الدعاء، وفي الترمذي مصححاً عن أبيّ كعب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر أحداً فدعا له بدأ بنفسه، وأصله في صحيح مسلم. (وعلى عباد الله الصالحين) الأشهر في تفسير الصالح أنه القائم بما يجب عليه من حقوق الله، وحقوق عباده، وتتفاوت درجاته. قال الحكيم الترمذي: من أراد أن يحظى بهذا السلام الذي يسلمه الخلق في الصلاة فليكن عبداً صالحاً، وإلا حرم هذا الفضل العظيم. (فإنه) أي الشأن أو المصلي. (إذا قال ذلك) أي قوله "وعلى عباد الله الصالحين" وهو كلام معترض بين قوله "الصالحين" وبين قوله "أشهد" إلى آخره. وإنما قدمت للاهتمام بها لكونه أنكر عليهم عد الملائكة واحداً واحداً، ولا يمكن استيعابهم لهم مع ذلك فعلمهم لفظاً يشمل الجميع مع غير الملائكة من النبيين، والمرسلين، والصديقين، وغيرهم بغير مشقة، وهذا من جوامع الكلم التي أوتيها - صلى الله عليه وسلم -، وقد ورد في بعض طرقه سياق التشهد متوالياً، وتأخير الكلام المذكور بعد، وهو من تصرف الرواة. (أصاب) فاعله ضمير ذلك. (كل عبد صالح) قيد به؛ لأن التسليم لا يصلح للمفسد.