في السماء والأرض - أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه، فيدعوه)) . متفق عليه.
ــ
(أشهد أن لا إله إلا الله) زاد ابن أبي شيبة "وحده لا شريك له" وسنده ضعيف، لكن ثبتت هذه الزيادة في حديث أبي موسى عند مسلم، وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ. (ثم ليتخير) أي ليختر. (من الدعاء أعجبه إليه) أي أحب الدعاء وأرضاه من الدين، والدنيا، والآخرة. (فيدعوه) أي فيقرأ الدعاء الأعجب. وقيل التقدير: فيدعوا به. كما في رواية أبي داود، فهو من باب الحذف والإيصال. وقيل التقدير: فيدعوا الله به. فحذف المفعول الثاني للعلم به. وفيه دليل على مشروعية الدعاء في الصلاة قبل السلام من أمور الدنيا والآخرة ما لم يكن إثماً؛ لأن ظاهر قوله "ليتخير من الدعاء أعجبه إليه" شامل لكل دعاء مأثور وغيره مما يتعلق بالآخرة كقوله "اللهم أدخلني الجنة". أو الدنيا مما يشبه كلام الناس كقوله "اللهم ارزقني زوجة جميلة، ودراهم جزيلة". وبذلك أخذ الشافعية، والمالكية ما لم يكن إثماً. وقصر الحنفية على ما يناسب المأثور فقط مما لا يشبه كلام الناس محتجين بقوله - عليه السلام -: "إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس". واحتج الأولون بظاهر حديث ابن مسعود، بقوله عليه السلام: سلوا الله حوائجكم حتى الشسع لنعالكم، والملح لقدوركم. واستثنى بعض الشافعية من مصالح الدنيا ما فيه سوء أدب كقوله:"اللهم أعطني امرأة جميلة" ثم يذكر أوصاف أعضائها. وقال ابن المنير: الدعاء بأمور الدنيا في الصلاة حظر، وذلك أنه قد تلتبس عليه الدنيا الجائزة بالمحظورة، فيدعوا بالمحظورة فيكون عاصياً متكلماً في الصلاة، فتبطل صلاته وهو لا يشعر، ألا ترى أن العامة يلتبس عليها الحق بالباطل، فلو حكم حاكم على عامي بحق فظنه باطلاً، فدعا على الحاكم باطلا بطلت صلاته، وتمييز الحظوظ الجائزة من المحرمة عسير جداً، فالصواب أن لا يدعوا بدنياه إلا على تثبت من الجواز- انتهى. ثم ظاهر اللفظ يدل على وجوب الدعاء قبل السلام بعد التشهد؛ لأن التخيير في آحاد الشيء لا يدل على عدم وجوبه كما قال ابن رشد، وهو المتقرر في الأصول، وقد ذهب إلى الوجوب أهل الظاهر، وروي عن أبي هريرة، وادعى بعض العلماء الإجماع على عدم الوجوب. (متفق عليه) وأخرجه أيضاً أحمد، والترمذي، وأبوداود، والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم. واعلم أن حديث التشهد قد رواه أربعة وعشرون صحابياً، ذكر الحافظ في التلخيص (ص ١٠٢، ١٠٣) أسماءهم مع تخريج أحاديثهم، وبيان اختلاف ألفاظهم، واقتصر المصنف على إيراد أحاديث ثلاثة منهم: ابن مسعود، وابن عباس، وجابر. والروايات في ألفاظ التشهد مختلفة جداً، ولذلك اختلف الأئمة في اختيار بعضها دون بعض، وترجيح بعضها على بعض مع القول بجواز كل ما ثبت وصح، فاختار مالك تشهد عمر الموقوف عليه، ولفظه نحو حديث ابن عباس التالي إلا أنه قال "الزاكيات" بدل "المباركات"، وإنما رجح مالك تشهد عمر؛ لأنه علمه الناس على المنبر، ولم ينازعه أحد، فكان إجماعاً،