ودل على تفضيله. وفيه: أن عدم إنكار الصحابة على عمر إنما يدل على جواز تشهده وإجزائه، لا على كونه أفضل التشهدات لاختيار أكثر الصحابة غير تشهده كما تدل عليه الروايات، ولم يكونوا ينكرون على أحد في الأمور المباحة، على أن تشهد عمر موقوف عليه. قال الدارقطني: لم يختلفوا في أنه موقوف عليه. وقال ابن عبد البر: ليس عند مالك في التشهد شيء مرفوع وإن كان غيره قد رفع ذلك، ومعلوم أنه لا يقال بالرأي. ولما علم مالك أن التشهد لم يكن إلا توقيفاً اختار تشهد عمر؛ لأنه كان يعلمه الناس، وهو على المنبر من غير نكير. قال: وتسليم الصحابة لعمر ذلك مع اختلاف رواياتهم دليل الإباحة والتوسعة. وقال ابن قدامة في المغني: أما حديث عمر فلم يروه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنما هو من قوله، وأكثر أهل العلم من الصحابة على خلافه، فكيف يكون إجماعاً على أنه ليس الخلاف في إجزائه في الصلاة، إنما الخلاف في الأولى والأحسن، والأحسن تشهد النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي علمه أصحابه. وأخذوا به- انتهى. ولو سلم أن سكوت الصحابة وعدم إنكارهم على عمر دليل على إجماعهم فقد وقع إجماعهم على تشهد ابن مسعود قبل ذلك، فروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده عن ابن عمر: أن أبابكر كان يعلمهم التشهد على المنبر كما يعلم الصبيان في المكتب: التحيات لله، والصلوات، والطيبات. فذكر مثل حديث ابن مسعود. قال الحافظ: ورواه أبوبكر بن مردويه في كتاب التشهد له من رواية أبي بكر مرفوعاً، وإسناده حسن. واختار الشافعي تشهد ابن عباس الآتي، وقال هو أفضل التشهد. واختار أحمد، وأبوحنفية، وجمهور الفقهاء، وأهل الحديث تشهد ابن مسعود، قال الترمذي: وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعدهم من التابعين، وهو قول الثوري، وابن المبارك، وأحمد، وإسحاق-انتهى. وقال الحافظ: وذهب جماعة من محدثي الشافعية كابن المنذر إلى اختيار تشهد ابن مسعود-انتهى. وذكروا لترجيحه وجوهاً كثيرة، منها: أن الأئمة الستة اتفقوا على تخريج حديثه لفظاً ومعنى، وذلك نادر، وأعلى درجات الصحة عند المحدثين ما اتفق عليه الشيخان فكيف إذا اتفق عليه الستة لفظاً ومعنى. ومنها: أنه أجمع العلماء على أن حديثه أصح ما روي في التشهد. قال الترمذي: هو أصح حديث روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في التشهد. وقال البزار لما سئل عن أصح حديث في التشهد قال: هو عندي حديث ابن مسعود، وروي من نيف وعشرين طريقاً، ثم سرد أكثرها وقال: لا أعلم في التشهد أثبت منه، ولا أصح أسانيد، ولا أشهر رجالاً، ولا أشد تظافراً بكثرة الأسانيد والطرق، ذكره الحافظ في التلخيص، وقال بعد ذكره في الفتح: ولا اختلاف بين أهل الحديث في ذلك، وممن جزم بذلك البغوي في شرح السنة، وقال محمد بن يحيى الذهلي: حديث ابن مسعود أصح ما روي في التشهد. وقال بريدة بن الحصيب: ما سمعت في التشهد أحسن من حديث ابن مسعود، رواه الطبراني، وقال النووي: أشدها صحة باتفاق المحدثين حديث ابن مسعود، ثم حديث ابن عباس. ومنها: أن الرواة عن ابن مسعود من الثقات لم يختلفوا في ألفاظه بخلاف غيره، قال مسلم: إنما اجتمع