للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلا رد الله عليّ روحي، حتى أرد عليه السلام.

ــ

يقولون: إنه يوم الجمعة وليلة الجمعة يسمع بأذنيه صلاة من صلى عليه، فالقول بأنه يسمع ذلك من نفس المصلي باطل، وإنما في الأحاديث المعروفة أنه يبلغ ذلك ويعرض عليه، وكذلك تبلغه إياه الملائكة، وقول القائل: إنه يسمع الصلاة من بعيد، ممتنع فإنه إن أراد وصول صوت المصلي إليه فهذه مكابرة، وإن أراد أنه هو بحيث يسمع أصوات الخلائق من البعد فليس هذا إلا لله رب العالمين الذي يسمع أصوات العباد كلهم-انتهى. وقال العلامة الشيخ محمد بشير السهسواني في "صيانة الإنسان" (ص٢١-٢٤) : إن زيارة قبره - صلى الله عليه وسلم - المعهودة في زماننا هل يرفع فيها الصوت ويجهر له بالقول أم لا؟ والأول منهي عنه لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [٤٩: ٢] . وقال: في هذا الشق يلزم ثلاث محذورات، الأول: رفع الصوت في المسجد. والثاني: رفع الصوت في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والثالث: رفع الصوت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: والشق الثاني أيضاً باطل، فإن السلام المشروع عند القبر سلام تحية لا سلام دعاء، وسلام التحية لا بد فيه من أن يفعل بحيث يسمعه المسلّم عليه حتى يرده على المسلّم. قال في المواهب وشرحه للزرقاني: ويكثر من الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحضرته الشريفة حيث يسمعه ويرد عليه، بأن يقف بمكان قريب منه، ويرفع صوته إلى حد لو كان حياً مخاطباً لسمعه عادة-انتهى. وقال الزرقاني: والظاهر أن المراد بالعندية قرب القبر بحيث يصدق عليه عرفاً أنه عنده، وبالبُعد ما عداه وإن كان بالمسجد-انتهى. ولما سدت حجرة عائشة التي هي مدفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبنيت على القبر حيطان مرتفعة مستديرة حوله، ثم بنى عليه جدران من ركني القبر الشمالين، تعذر الوصول إلى قرب القبر، فالزائرون اليوم إنما يسلمون من مسافة لو سلم على حي من تلك المسافة لما سمعه فكيف يسمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - ويرده عليه ولو سلم حياته - صلى الله عليه وسلم - في القبر؟ فإن قيل: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد الممات يمكن أن يزداد قوة سمعه فيسمع من تلك المسافة. فيقال: أي دليل على هذا من كتاب وسنة. ومجرد الإمكان العقلي لا يغني عن شيء، علا أنه هل لذلك تحديد أم لا؟ على الثاني يستوي المسلم من بعيد والمسلم عند القبر، وهذا باطل عند من يقول بقربة الزيارة، فإنهم فضلوا السلام عند القبر على السلام من بعيد كالسبكي، وابن حجر المكي. وعلى الأول فلا بد من بيانه بدليل شرعي وأنى له ذلك؟. (إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه السلام) هذا مشكل على من ذهب إلى أن الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم، فهم أحياء عند ربهم كالشهداء، ووجه الإشكال فيه أن عود الروح إلى الجسد يقتضي انفصالها عنه، وهو الموت، وهو لا يلتئم مع كونه حياً دائماً، بل رد روحه يلزمه تعدد حياته ووفاته في أقل من ساعة، إذ الكون لا يخلو من أن يسلم عليه بل قد يتعدد في آن واحد كثيراً، وقد أجابوا عنه بأجوبة، أحدها: أن المراد بقوله: "رد الله على روحي"، أن رد روحه كانت سابقة عقب دفنه، لا أنها تعاد ثم تنزع. قال السيوطي في تأليفه الذي أفرده للجواب عن هذا الإشكال سماه "انتباه الأذكياء بحياة

<<  <  ج: ص:  >  >>