للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الأنبياء" ما نصه: أن قوله " رد الله روحي" جملة حالية، وقاعدة العربية أن جملة الحال إذا صدرت بفعل ماض قدرت فيه "قد" كقوله تعالى: {أو جاءوكم حصرت صدورهم} [٤: ٩٠] أي قد حصرت، وكذا ههنا يقدر "قد" والجملة ماضية سابقة على السلام الواقع من كل أحد، و"حتى" ليست للتعليل بل لمجرد العطف بمعنى الواو، فصار تقدير الحديث: ما من أحد يسلم علي إلا قد رد الله علي روحي قبل ذل: وأرد عليه، وإنما جاء الإشكال من أن جملة "رد الله علي روحي" بمعنى حال أو استقبال، وظن أن "حتى" تعليلية ولا يصح ذلك كله، وبهذا الذي قدرناه ارتفع الإشكال من أصله، ويؤيده من حيث المعنى أن الرد لو أخذ بمعنى حال أو استقبال للزم تكرره عند تكرار المسلمين، وتكرر الرد يستلزم تكرر المفارقة، وتكرر المفارقة يلزم منه محذورات، منها: تألم الجسد الشريف بتكرار خروج روحه وعوده، أو نوع ما من مخالفة تكرير إن لم يتألم، ومنها: مخالف سائر الناس من الشهداء وغيرهم، إذ لم يثبت لأحدهم أنه يتكرر له مفارقة روحه وعوده بالبرزخ، وهو - صلى الله عليه وسلم - أولى بالاستمرار الذي هو أعلى رتبة، ومنها: مخالفة القرآن إذ دل أنه ليس إلا موتتان وحياتتان، وهذا التكرار يستلزم موتات كثيرة وهو باطل. ومنها: مخالفة الأحاديث المتواترة الدالة على حياة الأنبياء. وما خالف القرآن والسنة المتواترة وجب تأويله-انتهى. وهذا الجواب هو أحسن الأجوبة وأقواها عند السيوطي كما صرح به في رسالته، وقد تلقى هذا الجواب عن البيهقي وسيأتي ما فيه من الكلام. الثاني: أنه يستغرق في أمور الملأ الأعلى، فإذا سلم عليه رجع إليه فهمه ليجيب من سلم عليه، قال السيوطي: لفظ الرد قد لا يدل على المفارقة، بل كنى به عن مطلق الصيرورة، وحسنه هنا مراعاة المناسبة اللفظية بينه وبين قوله: حتى أرد عليه السلام، فجاء لفظ الرد في صدر الحديث لمناسبة ذكره بآخره، وليس المراد بردها عودها بعد مفارقة بدنها، وإنما النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبرزخ مشغول بأحوال الملكوت، مستغرق في مشاهدته تعالى كما هو في الدنيا بحالة الوحي، فعبر عن أفاقته من تلك الحالة برد الروح. وقال البيهقي: ويحتمل أن يكون رداً معنوياً، وأن تكون روحه الشريفة مشتغلة بشهود الحضرة الإلهية، والملأ الأعلى عن هذا العالم، فإذا سلم عليه أقبلت روحه الشريفة على هذا العالم لتدرك سلام من يسلم عليه ويرد عليه-انتهى. وقد نظر في هذين الجوابين الحافظ أبوعبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي في "الصارم المنكي (ص ١٧٩، ٢٠٣) فقال: في كل منهما نظر، أما الأول فمضمونه رد روحه - صلى الله عليه وسلم - بعد موته إلى جسده، واستمرارها فيه قبل سلام من يسلم عليه، وليس هذا المعنى مذكور في الحديث، ولا هو ظاهره، بل هو مخالف لظاهره، فإن قوله "إلا رد الله علي روحي" بعد قوله "ما من أحد يسلم على "يقتضي رد الروح بعد السلام، ولا يقتضي استمرارها في الجسد، وليعلم أن رد الروح بعد السلام للبدن وعودها إلى الجسد بعد الموت لا يقتضي استمرارها فيه، ولا يستلزم حياة أخرى قبل يوم النشور نظير الحياة المعهودة، بل إعادة الروح إلى الجسد في البرزخ إعادة برزخية لا تزيل عن الميت اسم الموت، وقد ثبت في حديث البراء بن عازب

<<  <  ج: ص:  >  >>