للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الطويل المشهور في عذاب القبر ونعيمه، وفي بيان الميت وحاله، أن روحه تعاد إلى جسده مع العلم بأنها غير مستمرة فيه وأن هذه الإعادة ليست مستلزمة لإثبات حياة مزيلة لاسم الموت، بل هي نوع حياة برزخية، والحياة جنس تحته أنواع، وكذلك الموت، فإثبات بعض أنواع الموت لا ينافي الحياة كما في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان إذا استيقظ من النوم قال: الحمد لله الذي أحياناً بعد ما أماتنا وإليه النشور، وتعلق الروح بالبدن واتصالها به يتنوع أنواعاً، أحدها: تعلقها به في هذا العالم يقظة ومناماً. الثاني: تعلقها به في البرزخ، والأموات متفاوتون في ذلك، فالذي للرسل والأنبياء أكمل مما للشهداء، ولهذا لا تبلى أجسادهم، والذي للشهداء أكمل مما لغيرهم من المؤمنين الذين ليسوا بشهداء. والثالث: تعلقها به يوم البعث الآخر، ورد الروح إلى البدن في البرزخ لا يستلزم الحياة المعهودة، ومن زعم استلزمه لها لزمه ارتكاب أمور باطلة مخالفة للحس، والشرع، والعقل، وهذا المعنى المذكور في حديث أبي هريرة من رده - صلى الله عليه وسلم - السلام على من يسلم عليه قد ورد نحوه في الرجل يمر بقبر أخيه، فذكر ما رواه ابن عبد البر من حديث ابن عباس مرفوعاً: ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه. حتى يرد عليه السلام، ثم قال: ولم يقل أحد إن هذا الرد يقتضي استمرار الروح في الجسد، ولا قال إنه يستلزم حياة نظير الحياة المعهودة، ثم ذكر آثاراً عن أبي هريرة، وعائشة بمعناه، وقال: قد روي في هذا الباب آثار كثيرة، وفي الجملة رد الروح على الميت في البرزخ، ورد السلام على من يسلم عليه لا يستلزم الحياة التي يظنها بعض الغالطين، وإن كانت نوع حياة برزخية، وقول من زعم أنها نظير الحياة المعهودة، مخالف للمنقول والمعقول، ويلزم منه مفارقته الروح للرفيق الأعلى، وحصولها تحت التراب قرناً بعد قرن والبدن حي مدرك سميع بصير تحت أطباق التراب والحجارة، ولوازم هذا الباطلة مما لا يخفى على العقلاء وبهذا يعلم بطلان تأويل قوله "إلا رد الله على روحي" بأن معناه: إلا وقد رد الله علي روحي، وأن ذلك مستمر وأحياه الله قبل يوم النشور، وأقره تحت التراب واللبن، فيا ليت شعري هل فارقت روحه الكريمة الرفيق الأعلى واتخذت بييت تحت الأرض مع البدن أم في الحال الواحد هي في المكانين؟ قال: وأما الجواب الثاني: وهو أن هذا رد معنوي، ففيه نوع من الحق، لكن صاحبه قصر فيه غاية التقصير، وهو إنما يصح ويجيء على قول أهل السنة من الفقهاء والمحدثين وغيرهم أن الروح ذات قائمة بنفسها لها صفات تقوم بها، وأنها تقارن البدن، وتصعد وتنزل، وتقبض، وتنعم، وتعذب، وتدخل، وتخرج، وتذهب، وتجيء، وتسأل، وتحاسب، ويقبضها الملك، ويعرج بها إلى السماء، ويشيعها ملائكة السموات إن كانت طيبة، وإن كانت خبيثة طرحت طرحاً، وأنه تحس، وتدرك، وتأكل، وتشرب في البرزخ من الجنة، كما دلت عليه السنة الصحيحة في أرواح الشهداء خصوصاً، والمؤمنين عموماً، ومع هذا فلها شأن آخر غير شأن البدن، فإنها تكون في الملأ الأعلى فوق السموات، وقد تعلقت بالبدن تعلقاً يقتضي رد السلام

<<  <  ج: ص:  >  >>