على من سلم، وهي في مستقرها في عليين مع الرفيق الأعلى، وقد مر النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء على موسى قائماً يصلي في قبره، ثم رآه في السماء السادسة، ولا ريب أن موسى لم يرفع من قبره تلك الليلة لا هو ولا غيره من الأنبياء الذين رآهم في السموات، بل لم تزل تلك منازلهم من السموات، وإنما رآهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء في منازلهم التي كانوا فيها من حين رفعهم الله سبحانه إليها، ولم تكن صلاة موسى بقبره بموجبه مفارقة روحه للسماء السادسة، وحلولها في القبر بل هي مستقرها، ولها تعلق بالبدن قوي، حتى حمله على الصلاة، وإذا كان النائم تقوى نفسه وفعلها في حال النوم حتى تحرك البدن، وتقيمه وتوثر فيه فما ظن بأرواح الأنبياء، وقد ثبت في الصحيح: أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر، تأكل من ثمار الجنة، وتشرب من أنهارها، وتسرح فيها حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش، وهذا شأنها حتى يبعثها الله سبحانه إلى أجسادها، ومع هذا فإذا زارهم المسلم وسلم عليهم عرفوا به وردوا عليه السلام، بل ونسمة المؤمن كذلك مع كونها طائراً تعلق في شجر الجنة ترد على صاحبها، وتشعر به إذا سلم عليه المسلم، وقد قال أبوالدرداء: إذا نام العبد عرج بروحه حتى يؤتى بها إلى العرش، فإن كان طاهراً أذن لها بالسجود. ذكره ابن مندة في كتاب الروح. قال: فهذه روح النائم متعلقة ببدنه، وهي في السماء تحت العرش، وترد إلى البدن في أكثر وقت، فروح النائم مستقرها البدن، تصعد حتى تبلغ السماء، وترى ما هنالك، ولم تفارق البدن فراقاً كلياً، وعكسه أرواح الأنبياء، والصديقين والشهداء، مستقرها في عليين، وترد إلى البدن أحياناً، ولم تفارق مستقرها، ومن لم ينشرح صدره لفهم هذا والتصديق به فلا يبادر إلى رده وإنكاره بغير علم، فإن للأرواح شأناً آخر غير شأن الأبدان، ولا يلتفت إلى كثافة طبع الجهمى، وغلظ قلبه، ورقة إيمانه، ومبادرته إلى تكذيب ما لم يحط بعلمه-انتهى. الجواب الثالث: أن المراد بالروح الملك المؤكل بإبلاغه السلام. الرابع: أن المراد بالروح هنا النطق من إطلاق اللازم وإرادته الملزوم، أي فهو - صلى الله عليه وسلم - في البرزخ مشغول بالمشاهدة كما كان في الدنيا، إلا أنه تعالى أعطاه قوة في الدنيا على تبليغ الأحكام: والاشتغال بالخلق ظاهراً مع شغل باطنه بشهود مولاه، وفي البرزخ لا شغل له بالخلق أصلاً بل بالشهود، فلا ينطق بالكلام إلا إذا سلم عليه شخص، فيرد عليه إكراماً له، فنطقه - صلى الله عليه وسلم - موجود بالقوة؛ فلما لم يوجد بالفعل لشغله بحضرة القدس صار كالممنوع من النطق، فلذا قال "رد الله علي روحي " أي نطقي. قال الخفاجي: استعارة رد الروح للنطق بعيدة وغير معروفة، وكون المراد بالروح "الملك" تأباه الإضافة لضمير، إلا أنه ملك موكل كان ملازماً له فاختص به، على أنه أقرب الأجوبة، وقد ورد إطلاق الروح على الملك في القرآن. الخامس: أن الأنبياء والشهداء أحياء، وحياة الأنبياء أقوى، وإذا لم يسلط عليهم الأرض فهم كالنائمين، والنائم لا يسمع ولا ينطق حتى ينتبه كما قال تعالى:{والتي لم تمت في منامها}[٣٩: ٤٢] الآية، فالمراد بالرد الإرسال الذي في الآية، وحينئذٍ فمعناه أنه إذا سمع الصلاة والسلام بواسطة أو بدونها تيقظ ورد، لا أن روحه