قبض قبض الممات، ثم ينفخ وتعاد كموت الدنيا وحياتها؛ لأن روحه مجردة نورانية، وهذا لمن زاره. ومن بعُد عنه تبلغه الملائكة سلامه، ذكره الخفاجي. وقد استشكل هذا الحديث من جهة أخرى. وهو أنه يستلزم استغراق الزمان كله في ذلك لاتصال الصلاة والسلام عليه في أقطار الأرض ممن لا يحصى كثرة. وأجيب بأن أمور لا تدرك بالعقل، وأحوال البرزخ أشبه بأحوال الآخرة. قلت: هذا الجواب هو الجواب الحق الصحيح عن كل إشكال يرد على هذا الحديث، فنؤمن بظاهر الحديث، ونصدق به؟ ونكل علمه إلى الله ورسوله، ولا نقيس أمر البرزخ على ما نشاهده في الدنيا فإن هذا من قياس الغائب على الشاهد. وهو غاية الجهل والغباوة والظلم والضلال. (رواه أبوداود) في آخر الحج. (والبيهقي في الدعوات الكبير) وأخرجه أيضاً أحمد في مسنده كلهم من طريق أبي صخر حميد بن زياد. عن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي هريرة. وقد سكت عنه أبوداود، وقال المنذري: أبوصخر حميد بن زياد قد أخرج له مسلم في صحيحه، وقد أنكر عليه شيء من حديثه، وضعفه يحيى بن معين مرة، ووثقه أخرى-انتهى. قلت: وضعفه النسائي أيضاً، لكن الظاهر توثيقه؛ لأنه وثقه أحمد، أبوحاتم والدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن عدى بعد أن روى عنه ثلاثة أحاديث: وهو عندي صالح الحديث، وإنما أنكر عليه هذان الحديثان: المؤمن يألف. وفي القدرية، وسائر حديثه أرجو أن يكون مستقيماً. وبهذا ظهر تعيين ما أنكر على حميد بن صخر، وليس منه هذا الحديث. ومقتضى هذا أن لا ينحط هذا الحديث عن درجة الحسن، وقد صرح الحافظ في الفتح بأن رواته ثقات. وقال النووي في الأذكار: إسناده صحيح. وكذا قال في الرياض. وقال الإمام تقي الدين ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: هذا الحديث على شرط مسلم. قال المقدسي في الصارم (ص١٦٩) : وفي ذلك نظر، فإن ابن قسيط وإن كان مسلم قد روى في صحيحه من رواية أبي صخر عنه لكنه لم يخرج من روايته عن أبي هريرة شيئاً. فلو كان قد أخرج في الأصول حديثاً من رواية أبي صخر، عن ابن قسيط، عن أبي هريرة أمكن أن يقال في هذا الحديث أنه على شرطه. واعلم أن كثيراً ما يروي أصحاب الصحيح حديث الرجل عن شيخ معين لخصوصيته به، ومعرفته بحديثه. وضبطه له، ولا يخرجون حديثه عن غيره لكونه غير مشهور بالرواية عنه، ولا معروف بضبط حديثه، أو لغير ذلك. فيجيء من لا تحقيق عنده فيرى ذلك المخرج له في الصحيح قد روى حديثاً عمن خرج له في الصحيح من غير طريق ذلك الرجل، فيقول: هذا على شرط الشيخين، أو على شرط البخاري، أو على شرط مسلم؛ لأنهما احتجا بذلك الرجل في الجملة، وهذا فيه نوع تساهل. فإن صاحبي الصحيح لم يحتجا به إلا في شيخ معين لا في غيره فلا يكون على شرطهما، ثم ذكر لذلك نظائر من الصحيحين ثم قال: وهكذا عادة مسلم غالباً، إذا روى لرجل قد تكلم فيه، ونسب إلى ضعف لسوء حفظه، وقلة ضبطه، إنما يروي له في الشواهد والمتابعات، ولا يخرج له شيئاً انفرد به، ولم يتابع عليه، فعلم أن هذا الحديث الذي تفرد به أبوصخر،