فلما سلم أخبر بصنيعه، فثنى رجله، فسجد سجدتين، أخرجه الجماعة عن ابن مسعود بطريق متعددة، وألفاظ مختلفة. قال الطحاوي: في هذا الحديث أنه أدخل في الصلاة ركعة من غيرها قبل التسليم، ولم ير ذلك مفسداً للصلاة، فدل ذلك على أن السلام ليس من أصلها، ولو كان واجباً كوجوب السجدة في الصلاة لكان حكمه أيضاً كذلك ولكنه بخلافه فهو سنة. ففيه أنه ليس فيه إلا تأخير السلام لا تركه رأساً، وهذا لا يدل على كون السلام من غير أصل الصلاة مع أن ذلك كان في حالة النسيان، وعلى ظن عدم الزيادة والإدخال، والكلام هنا فيمن ترك السلام عمداً، وخرج من الصلاة بغير السلام مما ينافي الصلاة. وأما ما روى عن عبد الله بن عمر مرفوعاً: إذا أحدث الرجل وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته. أخرجه أبوداود والترمذي، وسيأتي في "باب مالا يجوز من العمل في الصلاة وما يباح منه". ففيه أنه حديث ضعيف مضطرب، قد تفرد به عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وضعفه أكثر الحفاظ. قال الترمذي بعد إخراجه: ليس إسناده بذاك القوي، وقد اضطربوا في إسناده- انتهى. وفيه أيضاً أنه مخالف للحديث الصحيح "وتحليلها التسليم" فلا يقوى على معارضته بل يؤخذ بالأصح، قال الخطابي في المعالم (ج١:ص١٧٥) : هذا الحديث ضعيف، وقد تكلم الناس في بعض نقلته، وقد عارضته الأحاديث التي فيها إيجاب التشهد والتسليم- انتهى. وأما ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ بيد عبد الله بن مسعود فعلمه التشهد في الصلاة، ثم قال: إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد. أخرجه أحمد وأبوداود والدارقطني. ففيه أن قوله: إذا قلت هذا، الخ. مدرج من قول ابن مسعود، قال الدارقطني: الصحيح أن قوله "إذا قضيت هذا فقد قضيت صلاتك" من كلام ابن مسعود، فصله شبابه عن زهير بن معاوية، وجعله من كلام ابن مسعود، وقوله أشبه بالصواب ممن أدرجه، وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود على حذفه، كذا في المنتقى. قال الشوكاني: أما حديث ابن مسعود فقال البيهقي في الخلافيات: إنه كالشاذ من قول عبد الله، وإنما جعله كالشاذ؛ لأن أكثر أصحاب الحسن بن الحر لم يذكروا هذه الزيادة، لا من قول ابن مسعود مفصولة من الحديث، ولا مدرجة في آخره، وإنما رواه بهذه الزيادة عبد الرحمن بن ثابت عن الحسن، فجعلها من قول ابن مسعود وزهير بن معاوية عن الحسن، فأدرجها في آخر الحديث في قول أكثر الرواة عنه، ورواها شبابه بن سوار عنه مفصولة كما ذكر الدارقطني. وقد روى البيهقي من طريق أبي الأحوص عن ابن مسعود ما يخالف هذه الرواية بلفظ: مفتاح الصلاة التكبير وانقضاءها التسليم، إذا سلم الإمام فقم إن شئت. قال: وهذا الأثر صحيح عن ابن مسعود. وقال ابن حزم: قد صح عن ابن مسعود إيجاب السلام فرضاً، وذكر رواية أبي الأحوص هذه عنه. قال البيهقي: إن تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - التشهد لابن مسعود كان قبل فرض التسليم ثم فرض بعد ذلك، وقد صرح بأن تلك الزيادة المذكورة في الحديث مدرجة جماعة من الحفاظ، منهم الحاكم والبيهقي والخطيب، وقال البيهقي في المعرفة: ذهب الحفاظ إلى أن هذا وهم من زهير