للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قلت: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني حديث عهد بجاهلية وقد جاءنا الله بالإسلام

ــ

وأفهامهم، واستدل بإطلاق الحديث على تحريم الكلام في الصلاة مطلقاً، أي سواء كان لحاجة أو غيرها، وسواء كان لمصلحة الصلاة أو غيرها وسواء كان عمداً أو نسياناً أو جهلاً وسواء كان قليلاً أو كثيراً، وإليه ذهبت الحنفية، قالوا: لا فرق بين كلام العامد والناسي والجاهل، والحق ما ذهب إليه مالك من الفرق بين كلام العامد لغير مصلحة الصلاة وبين كلام العامد لمصلحة الصلاة وكلام الناسي والجاهل فيحرم الأول ويفسد الصلاة به، وهذا هو محمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وأما كلام العامد لمصلحة الصلاة وكلام الناسي والجاهل فلا يفسد الصلاة به لحديث ذي اليدين المشهور، ولحديث معاوية هذا؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره بإعادة الصلاة لكن علمه تحريم الكلام فيما يستقبل، فيكون حديث ذي اليدين وحديث معاوية هذا وما في معناهما مخصصين لعموم قوله: لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، وبناء العام على الخاص متعين، وسيأتي بسط الكلام في هذه المسألة في شرح حديث ذي اليدين إن شاء الله، وفي الحديث النهي عن تشميت العاطس في الصلاة، وأنه من كلام الناس الذي يحرم في الصلاة وتفسد به إذا أتى به عالماً عامداً، وأن من فعله جاهلاً لم تبطل صلاته حيث لم يأمره بالإعادة، وأما الحمد للعاطس في الصلاة فيجوز؛ لأنه ليس من كلام الناس. (إنما هي) أي الصلاة، وفي رواية: إنما هو، أي ما يحل فيها من الكلام. (التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) قال النووي: معناه هذا ونحوه، فإن التشهد والدعاء والتسليم من الصلاة، وغير ذلك من الأذكار مشروع فيها، فمعناه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ومخاطباتهم، وإنما هي التسبيح وما في معناه من الذكر والدعاء وأشباههما مما ورد به الشرع. وفيه دلالة لمذهب الشافعي والجمهور أن تكبيرة الاحرام فرض من فروض الصلاة وجزء منها. وقد تمسك بالحديث الحنفية والحنابلة على منع الدعاء في الصلاة بما لم يشبه المأثور من القرآن والسنة من ملاذ الدنيا وحوائجها الجائزة المباحة، قالوا: لأن ذلك من كلام الناس. وفيه أن المراد بكلام الناس في الحديث مخاطبتهم بتوجيه الكلام إليهم، لا مخاطبة الله تعالى بالدعاء المأذون به في الأحاديث الصحيحة بدليل سبب الحديث، وإن سلمنا أنه يدخل في عمومه ما ذكروا خلافاً للظاهر المتبادر كان لنا أن نقول إن الأحاديث الصحيحة بالأدعية المعينة والمطلقة وبتخيير الدعاء قد خصصت هذا العموم، وقد كان تحريم الكلام بمكة، وأكثر الأدعية وكذا الأمر بتخيير الدعاء كان في المدينة. (أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) للشك من الراوي، أي عين هذا الكلام قال أو مثله. (إني حديث عهد) أي جديدة. (بجاهلية) متعلق بعهد، وما قبل ورود الشرع يسمى جاهلية لكثرة جهالاتهم وفحشها، يعني انتقلت عن الكفر إلى الإسلام ولم أعرف بعد أحكام الدين. (وقد جاءنا الله بالإسلام) هذا لا يتعلق بما قبله، بل شروع في ابتداء سؤال منه عليه السلام، كما يدل عليه رواية النسائي وبعض

<<  <  ج: ص:  >  >>