للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال قلت: ومنا رجال يخطون، قال: كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه فذاك)) رواه مسلم.

قوله: لكني سكت، هكذا وجدت في صحيح مسلم وكتاب الحميدي،

ــ

بسببها. وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في النهي عن التطير والطيرة، وهي محمولة على العمل بها لا على ما يوجد في النفس من غير عمل على مقتضاه- انتهى. وقال القاري: يعني هذا وهم ينشأ من نفوسهم ليس له تأثير في اجتلاب نفع وضر، وإنما هو شيء يسوله الشيطان ويزينه حتى يعملوا بقضيته ليجرهم بذلك إلى اعتقاد مؤثر غير الله تعالى، وهو كفر صراح، فلا يمنعهم التطير من مقاصدهم؛ لأنه لا يضرهم ولا ينفعهم ما يتوهمونه. وقال الطيبي: أي لا يمنعهم عما يتوجهون إليه من المقاصد أو من سواء السبيل ما يجدون في صدورهم من الوهم، فالنهي وارد على ما يتوهمونه ظاهراً، وهم منهيون في الحقيقة عن مزاولة ما يوقعهم من الوهم في الصد. (ومنا رجال يخطون) يشير إلى علم الرمل والخط عند العرب، فيما فسره ابن الأعرابي، أن يأتي الرجل العراف وبين يديه غلام، فيأمره بأن يخط في الرمل خطوطاً كثيرة وهو يقول: ابني عيان أسرعا البيان، ثم يأمره أن يمحو منها اثنين اثنين، ثم ينظر إلى أخر ما يبقى من تلك الخطوط، فإن كان الباقي منها زوجاً فهو دليل الفلج والظفر، وإن كان فردا فهو دليل الخيبة والبأس، وقد طول الكلام في ذلك في لسان العرب. (كان نبي من الأنبياء يخط) قيل: هو إدريس أو دانيال عليهما الصلاة والسلام. (فمن وافق) ضمير الفاعل راجع إلى "من"، أي فمن وافق فيما يخطه. (خطه) بالنصب على الأصح المشهور، وروي مرفوعاً، فيكون المفعول محذوفاً أي من وافق خطه، خطه أي خط ذلك النبي في الصورة والحالة. (فذاك) أي هو المصيب، وهو كالتعليق بالمحال. قال النووي: اختلف العلماء في معناه، فالصحيح أن معناه من وافق خطه فهو مباح له، ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يباح، والمقصود أنه حرام؛ لأنه لا يباح إلا بيقين بالموافقة، وليس لنا يقين بها. وإنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فمن وافق خطه فذاك، ولم يقل حرام بغير تعليق على الموافقة، لئلا يتوهم متوهم إن هذا النهي يدخل فيه ذاك النبي الذي كان يخط، فحافظ النبي - صلى الله عليه وسلم - على حرمة ذاك النبي، مع بيان الحكم في حقنا، فالمعنى أن ذلك النبي لا منع في حقه، وكذا لو علمتم موافقته، ولكن لا علم لكم بها. وقال الخطابي في المعالم (ج١ص٢٢٢) : يشبه أن يكون أراد به الزجر عنه وترك التعاطي له، إذ كانوا لا يصادفون معنى خط ذلك النبي؛ لأن خطه كان علماً، أي معجزة لنبوته وقد تقطعت نبوته فذهبت معالمها-انتهى. وقال ابن حجر: قال المحرمون لعلم الرمل - وهم أكثر العلماء - لا يستدل بهذا الحديث على إباحته؛ لأنه علق الأذن فيه على موافقة خط ذلك النبي، وموافقته غير معلومة، إذ لا تعلم إلا من تواتر ونص منه عليها الصلاة السلام أو من أصحابه أن الأشكال التي لأهل علم الرمل كانت كذلك، ولم يوجد ذلك، فاتضح تحريمه. (رواه مسلم) وأخرجه أيضاً أحمد (ج٥ ص٤٤٧- ٤٤٨) وأبوداود والنسائي والبيهقي (ج٢ ص٢٤٩) . (قوله: لكني سكت، هكذا وجدت في صحيح مسلم وكتاب الحميدي) أي الجمع بين الصحيحين.

<<  <  ج: ص:  >  >>