تأيدت بالأحاديث الصحيحة الواردة في سجود السهو للشك، فإنها قاضية بأن سجود السهو لهذا السبب يكون قبل السلام، كحديث أبي سعيد التالي، وحديث عبد الرحمن بن عوف عند أحمد والترمذي وابن ماجه والبيهقي مرفوعاً: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرأ واحدة صلى أم اثنتين فليجعلها واحدة، وإذا لم يدر ثنتين صلى أم ثلاثاً فليجعلهما ثنتين، وإذا لم يدر ثلاثاً صلى أم أربعاً فليجعلها ثلاثاً، ثم يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أن يسلم سجدتين. نعم قد ورد ما يعارض ذلك، كحديث ابن مسعود الآتي، وحديث عبد الله بن جعفر عند أحمد وأبي داود والنسائي والبيهقي مرفوعاً بلفظ:"من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم"، فيحمل الأمر في ذلك على التوسع، وإن الكل جائز، والله أعلم. وأما الأفضل في محل السجود فسيأتي بيانه في شرح حديث ابن مسعود الآتي عند ذكر اختلاف الأئمة. واعلم أن الأحاديث الواردة في السهو على خمسة أنحاء بالنظر إلى ما يجبر به الساهي صلاته وما يصنعه من الإتمام وعدمه. فبعضها يدل على أن المصلي إذا شك في صلاته فلم يدر زاد أو نقص، فليس عليه إلا سجدتان، كحديث أبي هريرة، وحديث أبي سعيد عند الترمذي وأبي داود، وحديث عبد الله بن جعفر. وبعضها يدل على أنه يعيد الصلاة، كحديث عبادة بن الصامت: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن رجل سها في صلاته فلم يدر كم صلى، فقال: ليعد صلاته، وليسجد سجدتين قاعداً. أخرجه الطبراني في الكبير من رواية إسحاق بن يحيى بن عبادة بن الصامت عن جده عبادة بن الصامت. قال الهيثمي والعراقي: لم يسمع إسحاق عن جده عبادة، وكحديث ميمونة بنت سعد أنها قالت: أفتنا يا رسول الله! في رجل سها في صلاته فلا يدري كم صلى قال ينصرف، ثم يقوم في صلاته حتى يعلم كم صلى، فإنما ذلك الوسواس يعرض، فيسهيه عن صلاته. أخرجه الطبراني في الكبير. وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي الجزري، مختلف فيه. وهو كبقية في الشاميين، يروي عن المجاهيل. وفي إسناده أيضاً عبد الحميد بن يزيد، وهو مجهول، كما قال العراقي. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (ج٢:ص١٥١) : في إسناده مجاهيل. وبعضها يدل على أنه يبنى على ما استيقن، كحديث أبي سعيد التالي. وفي بعضها أنه يبنى على الأقل، كحديث عبد الرحمن بن عوف عند أحمد والترمذي وغيرهما. وقد ذكرنا لفظه. وبعضها يدل على أنه يتحرى الأقرب إلى الصواب، ويبنى عليه، كحديث ابن مسعود الآتي وغيره من الآثار المروية في ذلك عن ابن عمر وابن مسعود وأبي سعيد. واختلف الأئمة في العمل بهذه الأحاديث، فذهب الحسن البصري وطائفة من السلف إلى أن من دخل عليه الشك فلم يدر زاد أم نقص سجد سجدتين، ليس عليه غير ذلك. واستدل هؤلاء بظاهر حديث أبي هريرة، وحديث أبي سعيد، وحديث عبد الله بن جعفر، وأسقطوا وأهملوا أحاديث التحري والبناء على اليقين وغير ذلك. وهذا أضعف الأقوال، وخالف في ذلك الجمهور الأئمة الأربعة وغيرهم، قالوا: حديث أبي هريرة وما وافقه مجمل، والأحاديث المفسرة قاضية عليه، فلابد من