اعتبارها. قال أبوعبد الملك: حديث أبي هريرة يحمل على كل ساهٍ وإن حكمه السجود، ويرجع في بيان حكم المصلي فيما يشك فيه، وفي موضع سجوده من صلاته إلى سائر الأحاديث المفسرة، قال الشوكاني: ليس في حديثي أبي هريرة وعبد الله بن جعفر أكثر من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بسجدتين عند السهو في الصلاة. وليس بيان ما يصنعه من وقع له ذلك. والأحاديث الآخرة قد اشتملت على زيادة، وهي بيان ما هي الواجب عليه عند ذلك من غير السجود، فالمصير إليها واجب-انتهى. وحاصله أن حديث أبي هريرة سبق لبيان حكم ما يجير به الساهي صلاته. والمقصود من أحاديث البناء وغيره، بيان ما يصنعه من الإتمام وعدمه، فلا بد من أخذها والعمل بها. وقيل: حديث أبي هريرة محمول على من طرأ عليه الشك، وقد فرغ قبل أن يسلم. فإنه لا يلتفت إلى ذلك الشك، ويسجد للسهو، كمن طرأ عليه بعد أن سلم، فلو طرأ عليه قبل ذلك بنى على اليقين كما في حديث أبي سعيد. وعلى هذا فقوله فيه "وهو جالس" يتعلق بقوله "إذا شك" لا بقوله "سجد". وقال ابن عبد البر: حديث أبي هريرة هذا محمول عند مالك على المستنكح الذي لا يكاد ينفك عنه، ويكثر عليه السهو، ويغلب علىظنه أنه قد أتم، لكن الشيطان يوسوس له، فيجزيه أن يسجد للسهو دون أن يأتي بركعة؛ لأنه لا يأمن أن ينويه مثل ذلك فيما يأتي به. وأما من غلب على ظنه أنه لم يكمل صلاته، فيبنى على يقينه، فإن اعتراه ذلك أيضاً فيما يبني لهى عنه أيضاً، كما قاله ابن القاسم وغيره، وقال ابن رشد في البداية: فأما مالك بن أنس حمل حديث أبي سعيد الخدري – يعني الذي يأتي – على الذي لم يستنكحه الشك، وحمل حديث أبي هريرة على الذي يغلب عليه الشك، ويستنكحه. وتأول حديث ابن مسعود على أن المراد بالتحري هنالك هو الرجوع إلى اليقين، فثبت على مذهبه الأحاديث كلها-انتهى. وحمل الشافعي حديث أبي هريرة هذا على أحاديث البناء على اليقين، وقال: إن الشاك يبني على اليقين أي المتيقن، وهو الأقل في جميع الصور كلها. والبناء على اليقين هو أن يشك في الواحدة والثنتين، أو الثنتين والثلاث، أو الثلاث والأربع. فإذا كان كذلك فعليه أن يبني على اليقين، وهو الأقل، وليتم صلاته ثم يسجد سجدتي السهو على ما في حديث أبي سعيد. وحمل التحري في حديث ابن مسعود على الأخذ باليقين، كما حمله مالك عليه. قال الشافعي ومن وافقه: والتحري هو القصد. ومنه قوله تعالى. {فأولئك تحروا رشداً}[١٤:٧٢] ، فمعنى الحديث فليقصد الصواب، فيعمل به. وقصد الصواب هو ما بينه في حديث أبي سعيد وغيره. قال الشوكاني: قال الشافعي وداود وابن حزم: التحري هو البناء على اليقين. وحكاه النووي عن الجمهور-انتهى. وقيل: التحري غير البناء على اليقين. قال أحمد: ترك الشك على وجهين: أحدهما إلى اليقين والآخر إلى التحري. فمن رجع إلى اليقين فهو أن يلقى الشك، ويسجد قبل السلام على حديث أبي سعيد. وإذا رجع إلى التحري، وهو أكبر الوهم سجد للسهو بعد السلام على حديث ابن مسعود، ذكره ابن عبد البر في التمهيد،