للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والخطابي في المعالم (ج١:ص٢٣٩) . وقال ابن حبان: قد يتوهم من لم يحكم صناعة الأخبار، ولا تفقه في صحيح الآثار أن التحري في الصلاة، والبناء على اليقين واحد وليس كذلك؛ لأن التحري هو أن يشك المرأ في صلاته فلا يدري ما صلى فإذا كان ذلك فعليه أن يتحري الصواب وليبن على الأغلب عنده على خبر ابن مسعود، والبناء على اليقين هو أن يشك في الثنتين والثلاث، أو الثلاث والأربع. فإذا كان كذلك فعليه أن يبنى على اليقين، وهو الأقل، وليتم صلاته على خبر عبد الرحمن بن عوف وأبي سعيد-انتهى مختصراً. وبهذا كله ظهر أن مالكا والشافعي أوّلا أحاديث التحري والبناء على الأقل إلى أحاديث البناء على اليقين. وأما حديث أبي هريرة فحمله مالك على المستنكح، وحمله الشافعي على أحاديث البناء على اليقين، واتفقا جميعاً على إهمال حديثي عبادة بن الصامت وميمونة بنت سعد الدالين على إعادة الصلاة. وذلك لعدم صلوحهما للاحتجاج. وأما أحمد فله في ذلك ثلاث روايات، كما في المغني (ج١:ص٦٧١-٦٧٣) : إحداها البناء على اليقين أي الأقل مطلقاً للإمام والمنفرد كليهما. والثانية البناء على اليقين للإمام والمفرد إذا لم يكن لهما ظن، ومتى كان لهما غالب ظن عملا عليه. قال ابن قدامة: فعلى هذا يحمل حديث أبي سعيد على من استوى عنده الأمران، فلم يكن له ظن. وحديث ابن مسعود على من له رأي وظن. يعمل بظنه، جمعاً بين الحديثين، وعملا بهما، فيكون أولى، ولأن الظن دليل في الشرع، فيجب اتباعه، والثالثة التفريق بين المنفرد، فيبني على اليقين مطلقاً، والإمام فيبنى على غالب ظنه إذا كان له ظن. وإن لم يكن له ظن بل استوى الأمران عنده بنى على اليقين أيضاً، اختار هذه الرواية الخرقي، وهو الظاهر في المذهب. وقال الشعبي والأوزاعي وجماعة من السلف: إذا لم يدر كم صلى لزمه أن يعيد الصلاة مرة بعد أخرى حتى يستيقن. وقال بعضهم: يعيد ثلاث مرات، فإذا شك في الرابعة فلا إعادة عليه. واستدل هؤلاء بحديثي عبادة وميمونة. وقد عرفت أنهما لا يصلحان للاحتجاج لضعفهما. وأما الحنفية فقالوا بالتفصيل، وحالوا الجمع بين الأحاديث الواردة في المسألة، قالوا إذا شك وهو مبتدأ بالشك، لا بمتلى فيه استأنف الصلاة، والمراد بقولهم مبتدأ بالشك على ما في البدائع: أنه لم يصر عادة له، لا أنه لم يسه في عمره قط. فحملوا حديثي عبادة وميمونة الدالين على الإعادة على من لم يصر الشك عادة له، قالوا: وإن كان يعرض له الشك كثيراً تحرى وبنى على أكبر رأيه وأكثر ظنه على حديث ابن مسعود، ولم يمض على اليقين، أي الأقل، وإن لم يكن له رأي بنى على اليقين على حديث أبي سعيد، قالوا حديث أبي سعيد لا يخالفنا؛ لأنه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه، ومن شك ولم يترجح له أحد الطرفين يبني على الأقل بالإجماع، بخلاف من غلب على ظنه أنه صلى أربعاً مثلاً، وفيه أن تفسير الشك بمستوى الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ للأصوليين. وأما في اللغة: فالتردد بين وجود الشيء وعدمه كله يسمى شكاً، سواء المستوي والراجح والمرجوح. والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية.

<<  <  ج: ص:  >  >>