حتى قام إلى الخامسة رجع إلى القعدة ما لم يسجد؛ لأن فيه إصلاح صلاته، وأمكنه ذلك؛ لأن ما دون الركعة بمحل الرفض، وألغى الخامسة، وسجد للسهو لتأخير الفرض، وهي القعدة، وإن قيد الخامسة بسجدة بطل فرضه؛ لأنه تحقق شروعه في النافلة قبل إكمال الفرض، فإن القعدة الأخيرة فرض عندهم، وبترك الفرض تبطل الصلاة، وتحولت صلاته نفلاً عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وبطلت عند محمد، فيضم إليها ركعة، ولو لم يضم لا شيء عليه، ولو قعد في الرابعة، ثم قام، ولم يسلم عاد إلى القعدة ما لم يسجد للخامسة وسلم، وإن قيد الخامسة بالسجدة، ثم تذكر ضم إليها ركعة أخرى، وتم فرضه؛ لأن الباقي إصابة لفظ السلام، وهي غير فرض عندهم، وإنما يضم إليها أخرى لتصير الركعتان نفلاً؛ لأن الركعة الواحدة لا تجزيه عندهم لحديث النهي عن البتيراء. وحملوا حديث ابن مسعود هذا على أنه جلس على الرابعة. وفيه: أنه محتاج إلى دليل، بل سياق الحديث يرشد إلى خلافه، قال ابن قدامة في المغني (ج١: ص٦٨) : الظاهر أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يجلس عقيب الرابعة؛ لأنه لم ينقل، ولأنه قام إلى الخامسة معتقداً أنه قام عن ثالثه، ولم تبطل صلاته بهذا، ولم يضف إلى الخامسة أخرى. وحديث أبي سعيد أيضاً حجة عليهم، فإنه جعل الزائدة نافلة من غير أن يفصل بينها وبين التي قبلها بجلوس، وجعل السجدتين يشفعانها، ولم يضم إليها ركعة أخرى. وهذا كله خلاف لما قالوه. فقد خالفوا الخبرين جميعاً. وقولنا يوافق الخبرين جميعاً - انتهى. وقال السندي: حمله علماؤنا الحنفية على أنه جلس على الرابعة، إذ ترك هذا الجلوس عندهم مفسد. ولا يخفى أن الجلوس على رأس الرابعة إما على ظن أنها رابعة أو على ظن أنها ثانية، وكل من الأمرين يفضي إلى اعتبار الواقعة منه أكثر من سهو واحد. وإثبات ذلك بلا دليل مشكل. والأصل عدمه. فالظاهر أنه ما جلس أصلاً. وذلك؛ لأنه إن ظن أنها رابعة فالقيام إلى الخامسة يحتاج إلى أنه نسي ذلك، وظهر له أنها ثالثة مثلاً، واعتقد أنه خطأ في جلوسه. وعند ذلك ينبغي أن يسجد للسهو فتركه لسجود السهو. أولا يحتاج إلى القول أنه نسي ذلك الاعتقاد أيضاً، ثم قوله: وما ذاك بعد إن قيل له، يقتضي أنه نسي بحيث ما تنبه له بتذكيرهم أيضاً. وهذا لا يخلو عن بُعد. وإن قلنا أنه ظن أنها ثانية سهواً ونسياناً فذاك النسيان مع بعده يقتضي أن لا يجلس على رأس الخامسة، بل يجلس على رأس السادسة، فالجلوس على رأس الخامسة يحتاج إلى اعتبار سهو آخر - انتهى. تنبيه: قال العيني في شرح البخاري (ج٧: ص٣٠٧) مستدلاً على وقوع الجلوس منه - صلى الله عليه وسلم - عقيب الرابعة: إن المذكور في الحديث "صلى الظهر خمساً" والظهر اسم للصلاة المعهودة في وقتها بجميع أركانها. وفيه: أن إطلاق لفظ الظهر لا يدل على أنه جلس في الرابعة بل قوله: خمساً يرشد إلى خلاف ذلك، وإنما هذا كقول الراوي في قصة ذي اليدين:"صلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - الظهر، وفي رواية: العصر فسلم مع أنه - صلى الله عليه وسلم - قد ترك الركعتين الأخيرتين نسياناً". وقال بعضهم حديث ابن مسعود واقعة حال، لا عموم لها، فلا