قبول صلاة المؤتمين بهما فضلاً عن فساد صلاتهم، لأن الذم والوعيد أنما هو متوجه إلى من كره القوم وإمامته لا إلى المؤتمين، كما لايخفى، ولأن من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره، أي صحت إمامته وجاز الائتمام به، ولقوله عليه السلام: لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولحديث أبي هريرة هذا أو غيره مما سيأتي الإشارة إليها، وهي أحاديث كثيرة دالة على صحة الصلاة خلف كل بر وفاجر أي فاسق إلا أنها ضعيفة، كما ستعرف، ولما روى البخاري في تاريخه والبيهقي (ج٣:ص١٢٢) عن عبد الكريم البكاء قال: أدركت عشرة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يصلي خلف أئمة الجور. قال الشوكاني: عبد الكريم هذا لايحتج بروايته، وقد استوفى الكلام عليه في الميزان، ولكنه قد ثبت إجماع أهل العصر الأول من بقية الصحابة ومن معهم من التابعين إجماعاً فعلياً، ولا يبعد أن يكون قولياً على الصلاة خلف الجائزين؛ لأن الأمراء في تلك الأعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس، فكان الناس لا يؤمهم إلا أمراؤهم في كل بلدة فيها أمير، وكانت الدولة إذ ذاك لبني أمية وحالهم وحال أمراءهم لا يخفى، وقد أخرج البخاري عن ابن عمر أنه كان يصلي خلف الحجاج، وأخرج مسلم وأهل السنن أن أبا سعيد الخدري صلى خلف مروان صلاة العيد في قصة تقديمه الخطبة على الصلاة، ولأنه قد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - أخبر بأنه يكون على الأمة أمراء يميتون الصلاة ويصلونها لغير وقتها، فقالوا: يارسول الله فما تأمرنا؟ فقال: صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم مع القوم نافلة. ولا شك أن من أمات الصلاة وفعلها في غير وقتها غير عدل. وقد أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة خلفه نافلة، ولا فرق بينها وبين الفريضة في ذلك. قال الأمير اليماني بعد ذكر هذا الحديث: فقد أذن بالصلاة خلفهم، وجعلها نافلة؛ لأنهم أخرجوها عن وقتها. وظاهره أنهم لو صلوها في وقتها لكان مأموراً بصلاتها خلفهم فريضة، ولما روي عن علي أنه أتاه قوم برجل فقالوا: إن هذا يؤمنا ونحن له كارهون. فقال له علي رضي الله عنه: إنك لخروط أي مقهور في الأمور أو متعسف في فعلك، أتؤم قوماً وهم لك كارهون. ففيه أنه وإن زجره عن الإمامة لكن لم ينه القوم عن الاقتداء به، ولا أمرهم باعادة الصلاة. والحاصل: أنه يحرم على الفاسق، وفي حكمة المبتدع، التقدم للامامة، ولا يجوز للقوم أن يقدموه ولو قدموه مع قدرتهم على المنع والعزل أثموا، وصحت الجماعة خلفه مع الكراهة التحريمية، ولا تفسد الصلاة لعدم ما يدل على بطلان صلاة المؤتمين به. ولو عجزوا عن المنع والعزل، وأمكنهم الصلاة خلف غيره بالتحول إلى مسجد آخر فهو أفضل، وإلا فالاقتداء به أولى من الانفراد، وصحت صلاتهم خلفه، لكن لا تخلو عن الكراهة، يعني يكونون محزرين لثواب صلاة الجماعة، لكن لا ينالون مثل ما ينال من صلى خلف تقي. وبما قلنا يحصل الجمع بين الأدلة المتعارضة الواردة في هذه المسألة. وإن شئت مزيد التفصيل فارجع إلى