ينتظرون النبي - صلى الله عليه وسلم - لصلاة العشاء الآخرة، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر: بأن يصلي بالناس، فأتاه الرسول، فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرك أن تصلي بالناس، فقال أبوبكر – وكان رجلاً رقيقاً – يا عمر! صل بالناس، فقال له عمر: أنت أحق بذلك، فصلى أبوبكر تلك الأيام، ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد في نفسه خفة، وخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر، وأبوبكر يصلي بالناس،
ــ
بضم العين جمع العاكف، أي مجتمعون مقيمون، وأصل العكف اللبث والحبس واللزوم، ومنه الاعتكاف؛ لأنه لبث في المسجد ولزومه وحبس النفس فيه. (ينتظرون النبي - صلى الله عليه وسلم -) أي خروجه. (لصلاة العشاء الآخرة) قال الحافظ: كذا للأكثر بلام التعليل. وفي رواية المستملي والسرخسي: الصلاة العشاء الآخرة. وتوجيهه أن الراوي كأنه فسر الصلاة المسؤل عنها في قوله - صلى الله عليه وسلم -، أي الصلاة المسؤل عنها هي العشاء الآخرة. (فأتاه الرسول) أي رسول النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو بلال المؤذن؛ لأنه هو الذي أعلم بحضور الصلاة كما تقدم فأجيب بذلك. (فقال أبوبكر) أي لعمر بن الخطاب. (وكان رجلاً) جملة معترضة مقول عائشة. (رقيقا) أي رقيق القلب كثير الحزن والبكاء، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن. (يا عمر صل بالناس) قال النووي: تأوله بعضهم على أنه قاله تواضعاً وليس كذلك بل للعذر المذكور وهو كونه رقيق القلب كثير البكاء، فخشي أن لا يسمع الناس من البكاء. قال الحافظ: ويحتمل أن يكون رضي الله عنه فهم من الإمامة الصغرى الإمامة العظمى، وعلم ما في تحملها من الخطر، وعلم قوة عمر على ذلك فاختاره، ويؤيده أنه عند البيعة أشار عليهم أن يبايعوه أو يبايعوا أباعبيدة بن الجراح. والظاهر أنه لم يطلع على المراجعة التي وقعت بينه - صلى الله عليه وسلم - وبين عائشة، وفهم من الأمر له بذلك تفويض الأمر له في ذلك، سواء باشر بنفسه أو استخلف - انتهى. وقال السندي: كأن أبا بكر رضي الله عنه رأى أن أمره بذلك كان تكريماً منه له، والمقصود أداء الصلاة بإمام لا تعيين أنه الإمام، ولم يدر ما جرى بينه - صلى الله عليه وسلم - وبين بعض أزواجه في ذلك، وإلا لما كان له تفويض الإمامة إلى عمر. (فقال له عمر أنت أحق بذلك) مني أي لفضيلتك أو لأمر الرسول إياك خاصة. (فصلى أبوبكر تلك الأيام) أي التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها مريضاً. (وجد في نفسه خفة) أي من المرض، وقوة على الخروج إلى الجماعة. (أحدهما العباس) والآخر علي، كما سيأتي. (لصلاة الظهر) هو صريح في أن الصلاة المذكورة كانت الظهر، وزعم بعضهم أنها الصبح، مستدلاً بقوله في رواية ابن عباس عند ابن ماجه والبيهقي (ج٣:ص٨١) : وأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القراءة من حيث بلغ أبوبكر، لكن في الاستدلال به على ذلك نظر. لاحتمال أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم سمع لما قرب من أبي بكر الآية التي كان انتهى إليها خاصة، وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يسمع الآية أحياناً في الصلاة السرية على أن حديث ابن عباس هذا في سنده أبوإسحاق السبيعي كان قد