للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يقرأ القرآن، ويذكر الناس،

ــ

لاشك أن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم وعن الخلفاء الراشدين هو القيام حال الخطبة، ولكن الفعل بمجرده لا يفيد الوجوب. وفي الحديث مشروعية الجلوس بين الخطبتين. واختلف في وجوبه، فذهب الشافعي إلى أنه فرض، وشرط لصحة الخطبة. وذهب الجمهور مالك وأحمد وأبوحنيفة إلى أنه غير واجب. استدل من أوجب ذلك بفعله صلى الله عليه وسلم، وقوله: "صلوا كما رأيتموني"، وقد تقدم الجواب عن مثل هذا الاستدلال. قال ابن المنذر: لم أجد للشافعي دليلاً، والفعل، وإن اقتضى الوجوب عند الشافعي، لا يدل على بطلان الجمعة بتركه، وأي فرق بين الجلوس قبلهما وبينهما، مع أن كلا منهما ثابت عنه عليه الصلاة والسلام. قال جمع من الشافعية وهو كما قال، والعجب إيجاب هذا دون الاستقبال، قاله القاري. (يقرأ القرآن) تفسير الخطبة. وقال القاضي: هو صفة ثانية للخطبتين. والراجح محذوف، والتقدير يقرأ فيهما. وقوله: (ويذكر الناس) عطف عليه داخل في حكمه-انتهى. والتذكير هو الوعظ والنصيحة، وذكر ما يوجب الخوف والرجاء من الترهيب والترغيب. واستدل به على مشروعية القراءة والوعظ في الخطبة، ولا خلاف فيه وإنما الخلاف في الوجوب، فذهب الشافعي إلى أنه يشترط في الخطبة الوعظ والقراءة، قال النووي: قال الشافعي: لا تصح الخطبتان إلا بحمد الله تعالى والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما والوعظ، وهذه الثلاثة واجبات في الخطبتين، وتجب قراءة آية من القرآن في إحداهما على الأصح، ويجب الدعاء للمؤمنين في الثانية على الأصح. وقال مالك وأبوحنيفة والجمهور: يكفي من الخطبة ما يقع عليه الاسم. وقال أبوحنيفة وأبويوسف ومالك في رواية عنه: يكفي تحميدة أو تسبيحة أو تهليلة، وهذا ضعيف؛ لأنه لا يسمى خطبة. ولا يحصل به مقصودها مع مخالفته ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم-انتهى. قلت: الراجح عندي أنه يجب في خطبة الجمعة شيء سوى حمد الله والموعظة؛ لأن ذلك يسمى خطبة ويحصل به المقصود فأجزأ، وما عداه من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة القرآن والدعاء لإنسان ليس على اشتراطه ووجوبه في الخطبة دليل، ولا يجب أن يخطب على صفة خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بالاتفاق؛ لأنه قد روى أنه كان يقرأ آيات، ولا يجب قراءة آيات، ولكن يستحب أن يقرأ آيات كذلك، ولما روت أم هشام قالت: ما أخذت ق والقرآن المجيد إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطب بها في كل جمعة. وفي حديث الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ سورة. وقوله: "يذكر الناس" دليل صريح على أن الخطبة وعظ وتذكير للناس، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعلم أصحابه في خطبة الجمعة قواعد الإسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر أو نهي، وكان يأمرهم بمقتضى الحال، فلا بد للخطيب من أن يعظ الناس، ويذكرهم ويبين لهم ما يحتاجون إليه. فإن كان السامعون من غير العرب وعظهم بلغتهم، فإن التذكير

<<  <  ج: ص:  >  >>